للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الإِمَامُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ لِهَذِهِ الآيَةِ (١): "هَذَا مَثَلٌ مَعْنَاهُ: فَإِنَّكَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تُفْهِمَ هَؤُلَاءِ المُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَدْ خَتَمَ اللهُ عَلَى أَسْمَاعِهِم فَسَلَبَهُم فَهْمَ مَا يُتْلَى عَلَيهِم مِنْ مَوَاعِظِ تَنْزِيلِهِ؛ كَمَا لَا تَقْدِرُ أَنْ تُفْهِمَ المَوتَى الَّذِينَ سَلَبَهُمُ اللهُ أَسْمَاعَهُم بِأَنْ تَجْعَلَ لَهُم أَسْمَاعًا.

وَقَولُهُ: ﴿وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ﴾ يَقُولُ: كَمَا لَا تَقْدِرُ أَنْ تُسْمِعَ الصُّمَّ الَّذِينَ قَدْ سُلِبُوا السَّمْعَ إِذَا وَلَّوا عَنْكَ مُدْبِرِينَ (٢)؛ كَذَلِكَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تُوَفِّقَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَدْ سَلَبَهُم اللهُ فَهْمَ آيَاتِ كِتَابِهِ لِسَمَاعِ ذَلِكَ وَفَهْمِهِ".

ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ قَتَادَةَ؛ قَالَ: "هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللهُ لِلكَافِرِ، فَكَمَا لَا يَسْمَعُ المَيِّتُ الدُّعَاءَ؛ كَذَلِكَ لَا يَسْمَعُ الكَافِرُ، ﴿وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ﴾ يَقُولُ: لَو أَنَّ أَصَمًّا وَلَّى مُدْبِرًا ثُمَّ نَادَيتَهُ لَمْ يَسْمَعْ؛ كَذَلِكَ الكَافِرُ لَا يَسْمَعُ وَلَا يَنْتَفِعُ بِمَا سَمِعَ" (٣).


=
الأَنْعَامَ بَهَائِمٌ لَا تَعْقِلُ، وَعَلَى أَنَّ اللبَنَ أَبْيَضُ؛ رُغْمَ أَنَّ كُلًّا مِنْهَا تَجِدُ لَهُ نَصٌّ شَرْعيٌّ فِي التَّشْبِيهِ بِهِ، فَكَذَا الأَمْرُ هُنَا.
فَمِنَ العَجَبِ أَنْ يُذكَرَ أَنَّ المَيِّتَ يَسْمَعُ، وَقَدْ عُلِمَ بِالحِسِّ التَّامِ أَنَّ المَيِّتَ عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ لَا يَسْتَجِيبُ! فَهُم لِذَلِكَ يُسَفِّهُونَ مَنْ يُخَاطِبُ المَيِّتَ فِي بَعْضِ شُؤُونِهِ، كَمِثْلِ مُغَسِّلٍ يَعْتَذِرُ مِنَ المَيِّتِ إِذَا اسْتَخْدَمَ لَهُ مَاءً حَارًّا أَو بَارِدًا! وَاللهُ المُسْتَعَانُ.
(١) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ (٢٠/ ١١٧).
(٢) قَولُهُ تَعَالَى: ﴿إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾ قُيِّدَ عَدَمُ الإِسْمَاعِ بِهِ لِيَكُونَ أَشَدَّ اسْتِحَالَةٍ، فَإِنَّ الأَصَمَّ المُقْبِلَ -وَإِنْ لَمْ يَسْمَعِ الكَلَامَ- فَإِنَّهُ يَفْطَنُ مِنْهُ بِوَاسِطَةِ الحَرَكَاتِ شَيئًا. اُنْظُرْ تَفْسِيرَ البَيضَاوِيِّ (٤/ ٣٤١).
(٣) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي التَّفْسِيرِ (٦/ ٣٢٤) الآيَةُ (٥٢) مِنْ سُورَةِ الرُّومِ: "يَقُولُ تَعَالَى: كَمَا أَنَّكَ لَيسَ فِي قُدْرَتِكَ أَنْ تُسْمِعَ الأَمْوَاتَ فِي أَجْدَاثِهَا، وَلَا تُبْلِغَ كَلَامَكَ الصُمَّ الَّذِينَ لَا يَسْمَعُونَ -وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ مُدْبِرُونَ عَنْكَ- كَذَلِكَ لَا تَقْدِرُ عَلَى هِدَايَةِ العُمْيَانِ عَنِ الحَقِّ، وَرَدِّهِم عَنْ ضَلَالَتِهِم، بَلْ ذَلِكَ إِلَى
=

<<  <  ج: ص:  >  >>