للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي: مَا حَصَلَ اتِّفَاقًا، أَي: لَمْ يَتَقَصَّدْهُ النَّبِيُّ ؛ فَإِنَّهُ لَا يُشْرَعُ تَقَصُّدُه (١).

قَالَ المَعْرُورُ بْنُ سُوَيدٍ الأَسَدِيُّ؛ خَرَجْتُ مَعَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى المَدِينَةِ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا صَلَّى بِنَا الغَدَاةَ، ثُمَّ رَأَى النَّاسَ يَذْهَبُونَ مَذْهَبًا، فَقَالَ: أَينَ يَذْهَبُ هَؤلَاءِ؟ قَيلَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! مَسْجِدٌ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ هُمْ يَأْتُونَهُ يُصَلُّونَ فِيهِ، فَقَالَ: إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُم بِمِثْلِ هَذَا: يَتَّبِعُونَ آثَارَ أَنْبِيَائِهِم، فَيَتَّخِذُونَهَا كَنَائِسَ وَبِيَعًا! مَنْ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فِي هَذِهِ المَسَاجِدِ فَلْيُصَلِّ؛ وَمَنْ لَا فَلْيَمْضِ، وَلَا يَتَعَمَّدْهَا (٢).

وَلَا شَكَّ أَنَّ قَولَ عُمَرَ السَّالِفَ فِي النَّهْي عَنْ تَتَبُّعِ الآثَارِ هُوَ مِنَ الحَقِّ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ عُمَرَ .

قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ القُرْطُبِيُّ (٣): "وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ المَدِينَةِ يَكْرَهُونَ إِتْيَانَ تِلْكَ المَسَاجِدِ وَتِلْكَ الآثَارِ لِلنَّبِيِّ ؛ مَا عَدَا قُبَاءَ وَحْدَهُ" (٤).


=
فِي أَخْبَارِ مَكَّةَ (ص ٣٠٤) بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَأَورَدَ المَرْفُوعَ مِنْهُ الهَيثَمِيُّ فِي المَجْمَعِ (٤/ ٤) وَقَالَ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الكَبِيرِ وَالأَوسَطِ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ".
(١) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (٣/ ٤٢٨): "وَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ مَشْهُورًا بِتَتَبُّعِ آثَارِ النَّبِيِّ ، وَمِنْ ذَلِكَ صَلَاتُهُ فِي المَوَاضِعِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّي فِيهَا. وَهِيَ عَلَى نَوعَينِ:
أَحَدِهِمَا: مَا كَانَ النَّبِيُّ يَقْصُدُهُ لِلصَّلَاةِ فِيهِ، كَمَسْجِدِ قُبَاءَ، وَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي مَوضِعِهِ مِنَ الكِتَابِ؛ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
وَالثَّانِي: مَا صَلَّى فِيهِ النَّبِيُّ اتِّفَاقًا لِإِدْرَاكِ الصَّلَاةِ لَهُ عِنْدَهُ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَصَّ ابْنُ عُمَرَ بِإِتِّبَاعِهِ".
قُلْتُ: وَقَولُ الحَافِظِ ابْنِ رَجَبٍ (اخْتَصَّ) فِيهِ بَيَانُ تَفَرُّدِ ابْنِ عُمَرَ دُونَ سَائِرِ الصَّحَابَةِ بِهَذَا الفِعْلِ -خَاصَّةً أَبُوهُ الفَارُوقُ-كَمَا سَبَقَ.
(٢) صَحِيحٌ. ابْنُ أَبِي شَيبَةَ (٧٥٥٠). اُنْظُرْ تَخْرِيجَ أَحَادِيثِ فَضَائِلِ الشَّامِ وَدِمَشْقَ (ص ٥٠) لِلشَّيخِ الأَلْبَانِيِّ .
(٣) هُوَ مُحَدِّثُ الأَنْدَلُسِ مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاٍح القُرْطُبِيُّ (تُوفِّيَ قُرَابَةَ ٢٨٠ هـ) فِي كِتَابِهِ (البِدَعُ وَالنَّهْيُ عَنْهَا) (ص ٤١).
(٤) فِي الأَصْلِ (قُبَاءَ وَأُحُدًا)، وَالمَقْصُودُ بِـ (أُحُد) زِيَارَةُ قُبُورِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ وَالسَّلَامُ عَلَى أَهْلِهَا، وَالَّذِي أَثْبَتُّهُ هُوَ مِنْ نَقْلِ الِاعْتِصَامِ (١/ ٤٤٩): "قُبَاءَ وَحْدَهُ".

<<  <  ج: ص:  >  >>