فَإِنَّهُ تَعَالَى -لَو شَاءَ- لَأَطْلَعَهُ عَلَى سَرَائِرِ عِبَادِهِ وَمُخَبَّئَاتِ ضَمَائِرِ أُمَّتِهِ؛ فَتَوَلَّى الحُكْمَ بَينَهُمْ بِمُجَرَّدِ يَقِينِهِ وَعِلْمِهِ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى اعْتِرَافٍ أَو بَيِّنَةٍ أَو يَمِينٍ أَو شُبْهَةٍ! وَلَكِنْ لَمَّا أَمَرَ اللهُ أُمَّتَهُ بِاتِّبَاعِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ وَقَضَايَاهُ وَسِيَرِهِ، وَكَانَ هَذَا -لَو كَانَ- مِمَّا يُخَصُّ بِعِلْمِهِ وَيُؤْثِرُهُ اللهُ بِهِ؛ لَمْ يَكُنْ لِلْأُمَّةِ سَبِيلٌ إِلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي شَيءٍ مِنْ ذَلِكَ! وَلَا قَامَتْ حُجَّةٌ بِقَضِيَّةٍ مِنْ قَضَايَاهُ لِأَحَدٍ فِي شَرِيعَتِهِ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ مَا أُطْلِعَ عَلَيهِ هُوَ فِي تِلْكَ القَضِيَّةِ بِحُكْمِهِ هُوَ إِذْنٌ فِي ذَلِكَ بِالمَكْنُونِ مِنْ إِعْلَامِ اللهِ لَهُ بِمَا أَطْلَعَهُ عَلَيهِ مِنْ سَرَائِرِهِمْ، وَهَذَا مَا لَا تَعْلَمُهُ الأُمَّةُ! فَأَجْرَى اللهُ تَعَالَى أَحْكَامَهُ عَلَى ظَوَاهِرِهِمُ الَّتِي يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ هُوَ وَغَيرُهُ مِنَ البَشَرِ لِيَتِمَّ اقْتِدَاءُ أُمَّتِهِ بِهِ فِي تَعْيِينِ قَضَايَاهُ وَتَنْزِيلِ أَحْكَامِهِ". الشِّفَا بِتَعْرِيفِ حُقُوقِ المُصْطَفَى (٢/ ٢٤١).(١) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٤٧٤٠) عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ مَرْفُوعًا.(٢) البُخَارِيُّ (٤٨٥٥)، وَمُسْلِمٌ (١٧٧).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute