وَانْظُرْ كَلَامَ البَاجُورِيِّ في شَرْحِ ذَلِكَ البَيتِ مِنَ البُرْدَةِ حَيثُ قَالَ فِي ذَلِكَ: "لِأَنَّ الوَاقِعَ أَنَّ قَدْرَهُ ﷺ أَعْظَمُ مِنْ آيَاتِهِ -حَتَّى مِنَ القُرْآنِ المَتْلُوِّ- بِخِلَافِ القُرْآنِ غَيرِ المَتْلُوِّ، وَهُوَ المَعْنَى القَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ مِنْهُ، لِأَنَّ القَدِيمَ أَفْضَلُ مِنَ الحَادِثِ، وَمَا شَاعَ عَلَى الأَلْسِنَةِ مِنْ أنَّ كُلَّ حَرْفٍ مِنَ القُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ! فَكَلَامٌ بَاطِلٌ. وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى القُرْآنِ القَدِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَيسَ بِحَرْفٍ وَلَا صَوتٍ، خِلَافًا لِمَنْ زعَمَ ذَلِكَ". (شَرْحُ البَاجُورِيِّ عَلَى البُرْدَةِ) طَبْعَةُ دَارِ مَكْتَبَةِ الآدَابِ (ص ٥١).قُلْتُ: وَقَصْدُهُ بِـ (القُرْآنِ القَدِيمِ) أَي: كَلَامُ اللهِ النَّفْسِيُّ؛ خِلَافًا لِمَا بَينَ أَيدِينَا فِي المُصْحَفِ المَتْلُوِّ.قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (التِّبْيَانُ فِي آدَابِ حَمَلَةِ القُرْآنِ): (ص ١٦٤): "وَقَدْ أَجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ القُرْآنَ المَتْلُوَّ فِي الأَقْطَارِ؛ المَكْتُوبَ فِي الصُّحُفِ؛ الَّذِي بِأَيدِي المُسْلِمِينَ؛ مِمَّا جَمَعَتْهُ الدَّفَّتَانِ؛ مِنْ أَوَّلِ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ إِلَى آخِرِ ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾: كَلَامُ اللهِ وَوَحْيُهُ المُنَزَّلُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ".فَتَأَمَّلْ بَيَانَهُ ﵀ لِتِلْكَ الفِرْيَةِ حَيثُ وَضَّحَ المَطْلُوبَ فَقَالَ: (المَتْلُوَّ) خِلَافًا لِأَهْلِ الضَّلَالِ المُفَرِّقِينَ بَينَ المَتْلُوِّ وَبَينَ غَيرِ المَتْلُوِّ.قَالَ ابْنُ الجَوزِيِّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (صَيدُ الخَاطِرِ) (ص ٢٨٤): "وَكَذَلِكَ عَظَّمَ أَمْرَ القُرْآنِ وَنَهَى المُحْدِثَ أَنْ يَمَسَّ المُصْحَفَ؛ فَآلَ الأَمْرُ لِقَومٍ مِنَ المُتَكَلِّمِينَ إِلَى أَنْ أَجَازُوا الاسْتِنْجَاءَ بِهِ"! وَهَذَا مُتَوَقَّعٌ مِنْ جَرَّاءِ تِلْكَ الفَلْسَفَةِ الكُفْرِيَّةِ فِي التَّفْرِيقِ بَينَ القُرْآنِ المَتْلُوِّ وَغَيرِ المَتْلُوِّ!
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute