وَكُلُّ مَا سَبَقَ مِنَ الشُّبَهِ -بِحَمْدِ اللهِ- مَرْدُودٌ عَلَيهَا فِي الجَوَابِ؛ عَدَا جُمْلَةِ القُرْطُبِيِّ -عَفَا اللهُ عَنْهُ- وَهُوَ "إِذْ لَو جَازَتِ الإِلَهِيَّةُ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ لَصَحَّتْ لِلدَّجَّالِ"!!وَالجَوَابُ: هَلِ الأُلُوهِيَّةُ تُنْفَى بِإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ؟! فَعَلَى هَذَا تُنْفَى بَاقِي الصِّفَاتِ السَّبْعَةِ -عَلَى مَذْهَبِ الأَشَاعِرَةِ- أَيضًا عَنِ اللهِ تَعَالَى!!فَإِذَا قِيلَ: هَذِهِ الصِّفَاتُ السَّبْعَةُ هِيَ كَمَا يَلِيقُ بِهِ سُبْحَانَهُ؛ فَنَقُولُ: وَتِلْكَ الَّتِي أَثْبَتَهَا الشَّرْعُ أَيضًا هِيَ كَمَا يَلِيقُ بِهِ سُبْحَانَهُ.ثُمَّ لَو كَانَتْ صِفَاتُ المَسِيحِ الدَّجَّالِ الجَسَدِيَّةُ هِيَ عِلَّةُ إِنْكَارِ رُبُوبِيَّتِهِ -كَمَا سَيَدَّعِيهِ هُوَ فِي وَقْتِهِ- لَمْ يَكُنْ لِإِخْبَارِ النَّبِيِّ ﷺ عَنْ أَوجُهِ مَعْرِفَتِهِ سَبَبٌ أَبَدًا، حَيثُ أَخْبَرَ ﵊ عَنْهُ بِعِدَّةِ صِفَاتٍ -غَيرِ جَسَدِيَّةٍ- لِمَعْرِفَةِ كَذِبِهِ، فَلَمْ تَكُنْ صِفَاتُهُ الجَسَدِيَّةُ هِيَ وَجْهُ بَيَانِ ضَلَالِهِ، وَإِنَّمَا جَاءَ بَيَانُ وَجْهِ الضَّلَالَةِ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ ﵊ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ يَأْتِي وَمَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ، وَأَنَّهُ يُحْيِي المَيِّتَ -بِإِذْنِ اللهِ الكَونِيِّ- وَأَنَّهُ مَكْتُوبٌ بَينَ عَينَيهِ كَافِرٌ وَ … ، هَذَا كُلُّهُ مَعَ ضَرُورَةِ مَعْرِفَةِ أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ أَبَدًا فِي حَقِيقَةِ الصِّفَةِ بَينَ الخَالِقِ وَالمَخْلُوقِ، فَكَمَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى حَيٌّ -وَهَذَا لَا يَعْنِي أَنَّ حَيَاتَهُ مُمَاثِلَةٌ لِحَيَاةِ البَشَرِ-! فَكَذَلِكَ أَصَابِعُهُ سُبْحَانَهُ لَيسَتْ كَأَصَابِعِ البَشَرِ، لِأَنَّ الكَلَامَ فِي الصِّفَاتِ فَرْعٌ عَنِ الكَلَامِ عَلَى الذَّاتِ.فَدَلَّ هَذَا البَيَانُ -بِفَضْلِ اللهِ- عَلَى خَطَأِ تَوجِيهِ القُرْطُبِيِّ ﵀ فِي قَولِهِ: "إِذْ لَو جَازَتِ الإِلَهِيَّةُ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ لَصَحَّتْ لِلدَّجَّالِ". وَبَاقِي الرَّدِّ تَجِدُهُ فِي تَمَامِ الجَوَابِ. وَالحَمْدُ للهِ عَلَى تَوفِيقِهِ.قُلْتُ: وَأَمَّا قَولُ الخَطَّابِيِّ -فِي نَقْلِ الحَافِظِ-: "وَقَدْ جَاءَ الحَدِيثُ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ لَيسَ فِيهَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ"! يَعْنِي قَولَهُ: (تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الحَبْرِ) فَرَدَّهُ الحَافِظُ البَيهَقِيُّ عَلَيهِ بِقَولِهِ: "قَدْ رُوِّينَا مُتَابَعَةَ عَلْقَمَةَ إِيَّاهُ فِي ذَلِكَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ". (الأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ) لِلْبَيهَقِيِّ (٢/ ١٦٩).وَأَيضًا مِمَّا يَنْبَغِي الإِشَارَةُ إِلَيهِ أَنَّ الإِمَامَ الخَطَّابِيَّ ﵀ رَجَعَ عَن مَذْهَبِهِ ذَاكَ -بِفَضْلِ اللهِ تَعَالَى-.قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ ﵀: "وَقَدْ ذَكَرَ الأَشْعَرِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ أَنَّ طَرِيقَةَ المُتَكَلِّمِينَ فِي الاسْتِدْلَالِ عَلَى قِدَمِ الصَّانِعِ وَحُدُوثِ العَالَمِ بِالجَوَاهِرِ وَالأَجْسَامِ وَالأَعْرَاضِ مُحَرَّمَةٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ المُسْلِمِينَ.وَقَدْ رُوِيَ ذَمُّ ذَلِكَ وَإِنْكَارُهُ وَنِسْبَتُهُ إِلَى الفَلَاسِفَةِ عَن أَبِي حَنِيفَةَ.وَقَالَ ابْنُ سَرَيجٍ: تَوْحِيدُ أَهْلِ العِلْمِ وَجَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ: الشَّهَادَتَانِ، وَتوْحِيدُ أَهْلِ البَاطِنِ مِن المُسْلِمِينَ: الخَوْضُ فِي الأَعْرَاضِ وَالأَجْسَامِ، وَإِنَّمَا بُعِثَ النَّبِيُّ ﷺ بِإِنْكَارِ ذَلِكَ. خَرَّجَهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَن ِالسُّلَمِيِّ.=
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute