للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالقَرْنُ قَرْنُهُم، وَإِذَا كَانَ مُعْظَمُ النَّاسِ التَّابِعِينَ؛ فَالقَرْنُ قَرْنُهُم، وَهَكَذَا (١).

وَلَكِنَّ هَذِهِ الأَفْضَلِيَّةَ أَفْضَلِيَّةٌ مِنْ حَيثُ العُمُومِ وَالجِنْسِ؛ لَا مِنْ حَيثُ الأَفْرَادِ مُطْلَقًا، فَلَا يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي تَابِعِي التَّابِعِين مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ بَعْضِ التَّابِعِينَ، أَو أَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي التَّابِعِينَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، أَمَّا فَضْلُ الصُّحْبَةِ؛ فَلَا يَنَالُهُ أَحَدٌ غَيرُ الصَّحَابَةِ، وَلَا أَحَدَ يَسْبِقُهُم فِيهِ، وَأَمَّا العِلْمُ وَالعِبَادَةُ؛ فَقَدْ يَكُونُ فِيمَنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ بَعْضِهِم عِلْمًا وَعِبَادَةً.

- قَولُهُ: ((وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ)) هِيَ مِنْ عَلَامَاتِ وُقُوعِ الفِتَنِ كَمَا فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ، مِنْهَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوقُوفًا: (كَيفَ أَنْتُمْ إِذَا لَبِسَتْكُمْ فِتْنَةٌ: يَهْرَمُ فِيهَا الكَبِيرُ، وَيَرْبُو فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَتَّخِذُهَا النَّاسُ سُنَّةً؛ فَإِذَا غُيِّرَتْ قَالُوا: غُيِّرَتِ السُّنَّةُ!

قَالُوا: وَمَتَى ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: إِذَا كَثُرَتْ قُرَّاؤُكُمْ، وَقَلَّتْ فُقَهَاؤُكُمْ، وَكَثُرَتْ أُمَرَاؤُكُمْ، وَقَلَّتْ أُمَنَاؤُكُمْ، وَالتُمِسَتِ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الآخِرَةِ) (٢).

- قَولُهُ: ((وَيَظْهَرُ فِيهِم السِّمَنُ)) لِرَغْبَتِهِم فِي الدُّنْيَا، وَنَيلِ شَهَوَاتِهِم وَالتَّنَعُّمِ بِهَا، وَغَفْلَتِهِم عَنِ الدَّارِ الآخِرَةِ وَالعَمَلِ لَهَا.


(١) قَالَ صَاحِبُ عَونِ المَعْبُودِ (١٢/ ٢٦٧): "وَالقَرْنُ: أَهْلُ كُلِّ زَمَانٍ، وَهُوَ مِقْدَارُ التَّوَسُّطِ فِي أَعْمَارِ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ، وَقِيلَ: القَرْنُ أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَقِيلَ ثَمَانُونَ، وَقِيلَ مِائَةُ سَنَةٍ.
قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَالأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ بِمُدَّةٍ، فَقَرْنُهُ هُمُ الصَّحَابَةُ، وَكَانَتْ مُدَّتُهُمْ مِنَ المَبْعَثِ إِلَى آخِرِ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَقَرْنُ التَّابِعِينَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ إِلَى نَحْوِ [مِائَة وَ] سَبْعِينَ، وَقَرْنُ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ مِنْ ثَمَّ إِلَى نَحْوِ العِشْرِينَ وَمِائَتَينِ، وَفِي هَذَا الوَقْتِ ظَهَرَتِ البِدَعُ ظُهُورًا فَاشِيًا، وَأَطْلَقَتِ المُعْتَزِلَةُ أَلْسِنَتَهَا".
(٢) صَحِيحٌ. الدَّارِمِيُّ (١٩١). صَحَّحَهُ الشَّيخُ حُسَين سَلِيم أَسَد .

<<  <  ج: ص:  >  >>