للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ رَقْمًا مُطْلَقًا كَمَا سَبَقَ! وَجَوَابُنَا وَجَوَابُ الجُمْهُور عَنْهُ: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى رَقْمٍ عَلَى صُورَةِ الشَّجَرِ وَغَيرِهِ مِمَّا لَيسَ بِحَيَوَانٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا جَائِزٌ عِنْدَنَا" (١).

الثَّالِثُ: يُمْكِنُ القَولُ أَيضًا بِمَا أَورَدَهُ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (٢): "وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ النَّهْي كَمَا يَدُلُّ عَلَيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيرَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَسَأَذْكُرُهُ فِي البَاب الَّذِي يَلِيهِ" (٣).

الرَّابِعُ: أَنَّ الرَّقْمَ -هُنَا- لَو حُمِلَ عَلَى كَونِهِ صُورَةَ ذِي رُوحٍ كَامِلَةٍ -جَدَلًا- فَالظَّاهِرُ


(١) وَقَالَ الشَّيخُ ابْنُ عُثَيمِين فِي كِتَابِهِ القَولُ المُفِيدُ (٢/ ٤٣٩): "المُرَادُ بِالاسْتِثْنَاءِ: مَا يَحِلُ تَصْوِيرُهُ مِنَ الأَشْجَارِ وَنَحْوِهَا".
(٢) فَتْحُ البَارِي (١٠/ ٣٩١).
(٣) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الفَتْحِ (١٠/ ٣٩٢) -عَنْدَ بَابِ: لَا تَدْخُلُ المَلَائِكَةُ بَيتًا فِيهِ صُورَةٌ-: "وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيرَةَ فِي السُّنَنِ -وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ- أَتَمُّ سِيَاقًا مِنْهُ؛ وَلَفْظُهُ: ((أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: أَتَيتُكَ البَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ عَلَى البَابِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي البَيتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي البَيتِ كَلْبٌ؛ فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي عَلَى بَابِ البَيتِ يُقْطَعْ فَيَصِيرُ كَهَيئَةِ الشَّجَرَةِ، وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْيُقْطَعْ فَلْيُجْعَلْ مِنْهُ وِسَادَتَانِ مَنْبُوذَتَانِ تُوطَآنِ، وَمُرْ بِالكَلْبِ فَلْيُخْرَجْ؛ فَفَعَلَ رَسُولُ اللهِ )، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: ((إِمَّا أَنْ تُقْطَعَ رُؤوسُهَا أَو تُجْعَلَ بُسُطًا تُوطَأُ))، وَفِي هَذَا الحَدِيثِ تَرْجِيحُ قَولِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الصُورَةَ الَّتِي تَمْتَنِعُ المَلَائِكَةُ مِنْ دُخُولِ المَكَانِ الَّتِي تَكُونُ فِيهِ بَاقِيَةٌ عَلَى هَيئَتِهَا مُرْتَفِعَةٌ غَيرُ مُمْتَهَنَةٍ؛ فَأَمَّا لَو كَانَتْ مُمْتَهَنَةً، أَو غَيرَ مُمْتَهَنَةٍ لَكِنَّهَا غُيِّرَتْ مِنْ هَيئَتِهَا إِمَّا بِقَطْعِهَا مِنْ نِصْفِهَا أَو بِقَطْعِ رَأْسِهَا؛ فَلَا امْتِنَاعَ.
وَقَالَ القُرْطُبِيُّ: ظَاهِرُ حَدِيثِ زَيدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ المَاضِي قِيلَ: إِنَّ المَلَائِكَةَ لَا تَمْتَنِعُ مِنْ دُخُولِ البَيتِ الَّذِي فِيهِ صُورَةٌ إِنْ كَانَتْ رَقْمًا فِي الثَّوبِ؛ وَظَاهِرُ حَدِيثِ عَائِشَةَ المَنْعُ، وَيُجْمَعُ بَينَهُمَا بِأَنْ يُحْمَلَ حَدِيثُ عَائِشَةَ عَلَى الكَرَاهَةِ وَحَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ عَلَى مُطْلَقِ الجَوَازِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي الكَرَاهَةَ.
قُلْتُ: وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ؛ لَكِنَّ الجَمْعَ الَّذِي دَلَّ عَلَيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيرَةَ أَولَى مِنْهُ. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ".
قُلْتُ: وَقَدْ قَدَّمْنَا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ رِوَايَةَ النَّسَائِيِّ المَذْكُورَةَ مَرْجُوحَةٌ مِنْ جِهَةِ التَّخْيِيرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>