للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - إِنِ اعْتَقَدَ أَنَّهَا سَبَبٌ فَقَط؛ فَهُوَ مُشْرِكٌ شِرْكًا أَصْغَرَ (١) -وَعَلَيهِ حَدِيثُ البَابِ-، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ مَا لَيسَ بِسَبَبٍ سَبَبًا وَتَعَلَّقَ بِهِ؛ فَقَدْ شَابَهَ المُشْرِكِينَ مِنْ جِهَةِ الهَيئَةِ (٢)، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الاسْتِسْقَاءِ بِالأَنْوَاءِ ذِكْرُ القَاعِدَةِ هُنَاكَ (٣).

- إِنَّ جَعْلَ أَيَّ شَيءٍ سَبَبًا إِنَّمَا يَكُونُ بِطَرِيقَينِ فَقَط:

١ - عَنْ طَرِيقِ الشَّرْعِ: بِأَنْ يَثْبُتَ فِي الشَّرْعِ كَونُهُ سَبَبًا لِأَمْرٍ مَا، وَذَلِكَ كَالعَسَلِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيهِ: ﴿فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ﴾ [النَّحْل: ٦٩]، وَكَقِرَاءَةِ القُرْآنِ فَفِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ [الإِسْرَاء: ٨٢]، وَكَالحَبَّةِ السَّودَاءُ وَ .....

٢ - عَنْ طَرِيقِ القَدَرِ: أَي: مَا قَدَّرَهُ اللهُ كَونًا أَنَّهُ سَبَبٌ، وَهُوَ مَا عُلِمَ بِالتَّجْرِبَةِ وَالحِسِّ، كَمَا إِذَا جَرَّبْنَا هَذَا الشَّيءَ فَوَجَدْنَاهُ نَافِعًا فِي هَذَا الأَلَمِ أَوِ المَرَضِ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَثَرُهُ ظَاهِرًا مُبَاشِرًا (٤).


(١) كَمَا ذَهَبَ إِلَيهِ المُصَنِّفُ فِي المَسْأَلَةِ التَّاسِعَةِ.
(٢) وَأَيضًا قَدْ شَارَكَ اللهَ تَعَالَى فِي الحُكْمِ لِهَذَا الشَّيءِ بِأَنَّهُ سَبَبٌ؛ وَاللهُ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْهُ سَبَبًا!
(٣) قَالَ الشَّيخُ الأَلْبَانِيُّ فِي الصَّحِيحَة (١/ ٤٩١): "وَلَمْ يَقِفِ الأَمْرُ بِبَعْضِهِم عِنْدَ مُجَرَّدِ المُخَالَفَةِ؛ بَلْ تَعَدَّاهُ إِلَى التَّقَرُّبِ بِهَا إِلَى اللهِ تَعَالَى! فَهَذَا الشَّيخُ الجَزُولِيُّ -صَاحِبُ (دَلَائِلِ الخَيرَاتِ) - يَقُولُ فِي الحِزْبِ السَّابِعِ فِي يَومِ الأَحَدِ (ص ١١١ طَبْعُ بُولَاق): "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ؛ مَا سَجَعَتِ الحَمَائِمُ، وَحَمَتِ الحَوَائِمُ، وَسَرَحَتِ البَهَائِمُ، وَنَفَعَتِ التَّمَائِمُ"! وَتَأْوِيلُ الشَّارِحِ لِـ (الدَّلَائِلِ) بِأَنَّ (التَّمَائِمَ) جَمْعُ تَمِيمَةٍ -وَهِيَ الوَرَقَةُ الَّتِي يُكْتَبُ فِيهَا شَيءٌ مِنَ الأَسْمَاءِ أَوِ الآيَاتِ، وَتُعَلَّقُ عَلَى الرَّأْسِ مَثَلًا لِلتَّبَرُّكِ- فَمِمَّا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ التَّمَائِمَ عِنْدَ الإِطْلَاقِ إِنَّمَا هِيَ الخَرَزَاتُ كَمَا سَبَقَ عَنِ ابْنِ الأَثِيرِ، عَلَى أَنَّهَ لَو سُلِّمَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ فَلَا دَلِيلَ فِي الشَّرْعِ عَلَى أَنَّ التَّمِيمَةَ بِهَذَا المَعْنَى تَنْفَعُ! وَلِذَلِكَ جَاءَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ كَرَاهَةُ ذَلِكَ كَمَّا بَيَّنْتُهُ فِي تَعْلِيقِي عَلَى (الكَلِمِ الطَّيِّبِ) ".
(٤) وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا لِئَلَّا يَقُولَ قَائِلٌ: أَنَا جَرَّبْتُ هَذَا وَانْتَفَعْتُ بِهِ -وَهُوَ لَمْ يَكُنْ مُبَاشِرًا- كَالحَلْقَةِ؛ فَقَدْ يَلْبَسُهَا إِنْسَانٌ -وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا نَافِعَةٌ- فَيَنْتَفِعُ! لِأَنَّ الانْفِعَالَ النَّفْسِيَّ لِلشَّيءِ لَهُ أَثَرٌ بَيِّنٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>