- فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ: "عَلَى قَدْرِ حُسْنِ ظَنِّكَ بِرَبِّكَ وَرَجَائِكَ لَهُ؛ يَكُونُ تَوَكُّلُكَ عَلَيهِ، وَلِذَلِكَ فَسَّرَ بَعْضُهُمُ التَّوَكُّلَ بِحُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ.
وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِهِ يَدْعُوهُ إِلَى التَّوَكُّلِ عَلَيهِ؛ إِذْ لَا يُتَصَوَّرُ التَّوَكُّلُ عَلَى مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِهِ، وَلَا التَّوَكُّلُ عَلَى مَنْ لَا تَرْجُوهُ! " (١).
- وَلِتَمَامِ الفَائِدَةِ نَنْقُلُ تَتِمَّةَ كَلَامِ الإِمَامِ ابْنِ القَيِّمِ ﵀، فَقَالَ: "وَمَنْ ظَنَّ بِهِ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ بِمَا ظَاهِرُهُ بَاطِلٌ وَتَشْبِيهٌ وَتَمْثِيلٌ؛ وَتَرْكَ الحَقَّ لَمْ يُخْبِرْ بِهِ؛ وَإِنَّمَا رَمَزَ إلَيهِ رُمُوزًا بَعِيدَةً؛ وَأَشَارَ إلَيهِ إِشَارَاتٍ مُلْغزَةً لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ، وَصَرَّحَ دَائِمًا بِالتّشْبِيهِ وَالتّمْثِيلِ وَالبَاطِلِ؛ وَأَرَادَ مِنْ خَلْقِهِ أَنْ يُتْعِبُوا أَذْهَانَهُمْ وَقُوَاهُمْ وَأَفْكَارَهُمْ فِي تَحْرِيفِ كَلَامِهِ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَتَأْوِيلِهِ عَلَى غَيرِ تَأْوِيلِهِ؛ وَيَتَطّلَبُوا لَهُ وُجُوهَ الِاحْتِمَالَاتِ المُسْتَكْرَهَةِ وَالتَّأْوِيلَاتِ -الَّتِي هِيَ بِالأَلْغَازِ وَالأَحَاجِي أَشْبَهُ مِنْهَا بِالكَشْفِ وَالبَيَانِ- وَأَحَالَهُمْ فِي مَعْرِفَةِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ عَلَى عُقُولِهِمْ وَآرَائِهِمْ لَا عَلَى كِتَابِهِ؛ بَلْ أَرَادَ مِنْهُمْ أَنْ لَا يَحْمِلُوا كَلَامَهُ عَلَى مَا يَعْرِفُونَ مِنْ خِطَابِهِمْ وَلُغَتِهِمْ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَنْ يُصَرِّحَ لَهُمْ بِالحَقِّ الَّذِي يَنْبَغِي التّصْرِيحُ بِهِ وَيُرِيحَهُمْ مِنَ الأَلْفَاظِ الَّتِي تُوقِعُهُمْ فِي اعْتِقَادِ البَاطِلِ؛ فَلَمْ يَفْعَلْ! بَلْ سَلَكَ بِهِمْ خِلَافَ طَرِيقِ الهُدَى وَالبَيَانِ! فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السّوءِ.
فَإِنَّهُ إنْ قَالَ: إنّهُ غَيرُ قَادِرٍ عَلَى التَّعْبِيرِ عَنِ الحَقِّ بِاللّفْظِ الصَّرِيحَ -الَّذِي عَبّرَ بِهِ هُوَ وَسَلَفُهُ-! فَقَدْ ظَنَّ بِقُدْرَتِهِ العَجْزَ،
وَإِنْ قَالَ: إنَّهُ قَادِرٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ؛ وَعَدَلَ عَنِ البَيَانِ وَعَنِ التَّصْرِيحِ بِالحَقِّ إلَى مَا يُوهِمُ بَلْ يُوقِعُ فِي البَاطِلِ المُحَالِ وَالِاعْتِقَادِ الفَاسِدِ! فَقَدْ ظَنَّ بِحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ ظَنَّ
(١) مَدَارِجُ السَّالِكِينَ (٢/ ١٢١).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute