للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صُورَتِهِ الَّتِي يَعرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُم، فَيَقُولُونَ: أَنتَ رَبُّنَا، فَيَتَّبِعُونَهُ،

ــ

هنا: يحضر لهم تلك الصورة. وأما الصورة الثانية التي يعرفون عندما يتجلّى لهم الحقّ، فهي صفته تعالى التي لا يشاركه فيها شيء من الموجودات، ولا يشبهه بشبهها شيء من المصوّرات. وهذا الوصف هو الذي كانوا قد عرفوه في الدنيا، وهو المعبّر عنه بـ: لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ، ولذلك قالوا: إذا جاء ربّنا عرفناه. وفي حديث آخر يقال: وكيف تعرفونه؟ قالوا: إنه لا شبيه له ولا نظير. ولا يستبعد إطلاق الصورة بمعنى الصفة، فمن المتداول أن يقال: صورة هذا الأمر كذا؛ أي: صفته.

والإتيان والمجيء المضاف إلى الله تعالى ثانيًا هو عبارة عن تجليه لهم، فكأنه كان بعيدًا فقرُبَ، أو غائبًا فحضر. وكل ذلك خطابات مستعارة جارية على المتعارف من توسعات العرب، فإنهم يسمّون الشيء باسم الشيء إذا جاوره، أو قاربه، أو كان منه بسبب.

و(قوله في حديث أبي سعيد (١): ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحوّل في الصورة التي رأوه فيها أول مرة) يعني: أن المؤمنين إذا رفعوا رؤوسهم، رأوا الحقّ مرة ثانية؛ إذ كانوا قد رأوه حالة قولهم: أنت ربنا، قبل السجود.

والتحوّل المنسوب إلى الله تعالى هنا عبارة عن إزالة تلك الصورة الأولى المتعوّذ منها، وعن إظهاره تعالى وجوده المقدّس للمؤمنين، فيكون قوله: وقد تحوّل حالاً متقدمة قبل سجودهم، بمعنى: وقد كان تحوّل؛ أي: حوّل تلك الصورة وأزالها، وتجلّى هو بنفسه، فيكون المراد بهذا الكلام. أن الحقّ سبحانه لمّا تجلّى لعباده المؤمنين أوّل مرة رأوه فيها لم يزل كذلك، لكنهم انصرفوا عن رؤيته عند سجودهم، ثم لَمّا فرغوا منه عادوا إلى رؤيته مرة ثانية.

و(قوله في حديث أبي هريرة الأول: فيتبعونه) أي: يتبعون أمره، كما


(١) حديث أبي سعيد يأتي في باب: شفاعة الملائكة والنبيين والمؤمنين رقم (٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>