قلت: وهذا نأي عن معنى الحديث، وعما سيق له، وقيل: إنما كان ذلك لأنَّ موسى قد كان علم من التوراة أن الله تعالى قد جعل تلك الأكلة سبب إهباطه من الجنة، وسكناه الأرض، ونشر نسله فيها ليكلفهم ويمتحنهم ويرتب على ذلك ثوابهم وعقابهم الأخروي.
قلت: وهذا إبداء حكمة تلك الأكلة، لا انفصال عن إلزام تلك الحجَّة، والسؤال باق لم ينفصل عنه.
وقيل: إنما توجهت حجته عليه لأنَّه قد علم من التوراة ما ذكروا أن الله تاب عليه واجتباه وأسقط عنه اللوم والعتب. فلوم موسى وعتبه له - مع علمه بأن الله تعالى قدر المعصية وقضى بالتوبة، وبإسقاط اللوم والمعاتبة، حتى صارت تلك المعصية كأن لم تكن - وقع في غير محله، وعلى غير مستحقه، وكان هذا من موسى نسبة جفاء في حالة صفاء، كما قال بعض أرباب الإشارات: ذكر الجفاء في حال الصفاء جفاء. وهذا الوجه إن شاء الله أشبه ما ذكر، وبه يتبين أن ذلك الإلزام لا يلزم، والله أعلم.
(٧) ومن باب: كتب الله المقادير قبل الخلق وكل شيء بقدر (١)
(قوله: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة) أي: أثبتها في اللوح المحفوظ، كما قلناه آنفا، أو فيما شاء، فهو
(١) هذا العنوان لم يرد في نسخ المفهم، واستدركناه من التلخيص.