للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مِنكَ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفنَاهُ، فَيَأتِيهِمُ اللهُ فِي

ــ

عملوا مثل أعمالهم وعرفوا اللهَ مثل معرفتهم، امتحنهم الله بأن أتاهم بصورة هائلة قالت للجميع: أنا ربُّكم، فأجاب المؤمنون بإنكار ذلك، والتعوُّذ منه؛ لما قد سبق لهم من معرفتهم بالله تعالى، وأنّه منزَّه عن صفات هذه الصورة؛ إذ سماتها سمات المُحدَثات، ولذلك قال في حديث أبي سعيد: فيقولون نعوذ بالله منك، لا نشرك بالله شيئًا مرّتين أو ثلاثًا، حتّى إنّ بعضهم ليكاد أن ينقلب. وهذا البعض الذي همّ بالانقلاب لم يكن لهم رسوخ العلماء ولا ثبوت العارفين، ولعلّ هذه الطائفة هي التي اعتقدت الحق، وجزمت عليه من غير بصيرة، ولذلك كان اعتقادهم قابلاً للانقلاب. ثم يقال بعد هذا للمؤمنين: هل بينكم وبينه آية تعرفونه بها؟ فيقولون: نعم، فيكشف عن ساقٍ؛ أي: يوضح الحقّ ويتجلّى لهم الأمر، فيرونه حقيقة معاينة.

وكشف الساقِ: مَثَلٌ تستعمله العرب في الأمر إذا حقّ ووضح واستقر، تقول العرب: كشفت الحرب عن ساقها، إذا زالت مخارقها (١) وحقّت حقائقها، وقال (٢):

وكنتُ إذا جاري دَعا لِمَضُوفةٍ ... أُشَمِّرُ حتى يَنصُفَ الساقَ مِئزَري

وعند هذا يسجد الجميع، فمن كان مخلصًا في الدنيا، صحّ له سجوده على تمامه وكماله، ومن كان منافقًا أو مرائيًا، عاد ظهره طبقةً واحدةً، كلما رام السجود، خرّ على قفاه. وعند هذا الامتحان يقع امتياز المحقّ من المبطل، فعلى هذا تكون الصورة التي لا يعرفونها مخلوقة.

والفاء التي دخلت عليها بمعنى الباء، ويكون معنى الكلام: إن الله تعالى يجيئهم بصورة، كما قيل في قوله تعالى: هَل يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الغَمَامِ أي: بظلل. ويكون معنى الإتيان


(١) في (م): مخاوفها. وزالت مخارقها: أي: ذهبت دهشة الحرب والفزع منها.
(٢) في (ع): وأنشد. والقائل: هو أبو جندب الهذلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>