للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ظهرت للبلاغين عدّة دواعٍ لاختيار اسم الإِشارة، دون غيره من المعارف، وفيما يلي بيانُها مع التّنبيه على أنّ الدواعي لا تنحصر فيها:

الداعي الأول: أن يتعَيّن اسم الإِشارة طريقاً للتعريف بالمشار إليه، كأن يكون المتكلّم والمتلقّي أو أحدهما لا يعرف من المعارف التي تُميّزُ المتحدَّثَ عنْهُ غيَر كونه حاضراً مُحَسَّاً يشارُ إليه، فيكون استعمال اسم الإِشارة لتعيين المتحدّث عنه هو الأمر الذي ينبغي المصير إليه.

أمثلة:

* لمّا كان الملائكة يجهلون أسماء ما عَرَضَ الله عليهم من خلقه قال لهم: "أَنْبِئُوني بأَسْمَاءِ هَؤلاء" فأشارَ إِلَيْهِمْ باسم الإِشارة لتعيينهم، قال الله عزَّ وجلَّ في سورة (البقرة/ ٢ مصحف/ ٨٧ نزول) :

{وَعَلَّمَءَادَمَ الأسمآء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الملائكة فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هاؤلاء إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الآية: ٣١] .

* قول الشاعر يُثْني علي ممدوحه بأنّه يَقْرِي ضيفه الطارقَ عليه بليل وهو لا يعرفه، فينحر له الناقة، ذَاتَ السَّنَام العظيم:

وَإِذا تَأَمَّلَ شَخْصَ ضَيْفٍ مُقْبِلٍ ... مُتَسَرْبِلٍ سِرْبَالَ لَيْلٍ أَغْبَرِ

أَوْمَا إلَى الْكَوْمَاءِ هَذَا طَارِقٌ ... نَحَرَتْنِيَ الأَعْدَاءُ إِنْ لَمْ تُنْحَرِي

أَوْمَا: أي أومَأَ بمعْنَى أشار.

الكَوْمَاء: النَّاقَةُ ذَاتُ السَّنَامِ العظيم، وعظم سنامها يدلٌ على سِمَنِها.

هَذَا طَارِقٌ: أي: هذا ضيف طَارق، والطَّارِقُ هو الذي يأتي ليلاً.

والشاعر يدعو نفسه بأن تَنْحَرَهُ الأَعْدَاءُ إنْ لم يَنْحَرْ نَاقَتَهُ إكراماً للضيف الطارق عليه الذي لا يعرفه، وقد مَيَّزَهُ باسم الإِشارة "هذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>