كثيراً ما يحدث أن تتوافق قرائح الشعراء والكتّاب في إبداع فكرة، وفي أسلوب صياغتها، وقد يحدث أحياناً التوافق في الوزن والقافية وحرف الرّوي وكثير من الكلمات إذا كان الكلام من الشعر.
وقد حدث لي وأنا في نحو العشرين من عمري أنّي نظمت قصيدة في الغزل، مبنيّة على حوارٍ:"قالت لي، وقلت لها" صَوَّرْتُ فيها تخيُّلاً مغامرة عاشق، اتفق مع معشوقته على أن يترصَّد غفلة الرّقباء في ليل ساتر، وتمّ لهما اللّقاء ثم تسلل إلى منزله دون أن يشعر بهما أحد.
وبقيتُ مدّةً أقرؤها على أصدقاء المراهقة، وأنا أرى نفسي مبتكر طريقة الحوار ذي الفقرات القصيرات في قصيدة تزيد على عشرين بيتاً، مطلعها:
قالت لي الحسناء: هل أنت لي ... قُلْتُ لها: مِلْكُكِ لي ظاهرْ
وفي أحد الأيام أخَذْتُ جزءاً من كتاب الأغاني من مكتبة أبي - تغمّدَه الله برحمته - وَجَعَلْتُ أُقَلّبُ فيه، ففُوجئت بقصيدة على مثل قصيدتي وزناً وقافية وحرفَ رَوِيّ، وبعد أن استكملْتُ قراءتها وجدتها متماثلةً مع قصيدتي تماماً في موضوعها وأسلوبها وفي كثير جدّاً من عباراتها، وما كانت قبل ذلك قد قرأت هذه القصيدة ولا سمعتُها من أحد، فقلتُ في نفسي: لو اطّلع أحد قارئي كتاب الأغاني على قصيدتي لقال: سارقٌ انتحل القصيدة وهي ليست له، فاهملْتُ قصيدتي وطويتُها خشية أن أُتَّهَمَ بالسَّطْوِ على شعر غيري.