{واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل مِنَ الرحمة}[الآية: ٢٤] على طريقة الاستعارة المكنيّة، فإنّه يلمس المراد نفسه أيضاً، كلنّه يشعر بأنّ كثافة الفاصل قد زادت من جهة، وازدانت بحلاوة ملامس خاصّة بها، مع جسّ المراد من ورائها.
ونلاحظ نظير ذلك في المجاز المرسل، وفي المجاز العقليّ إذا قلنا به.
فقول الله تعالى في سورة (البقرة/٢ مصحف/٨٧ نزول) :
{يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِم مِّنَ الصواعق حَذَرَ الموت ... }[الآية: ١٩] .
هو من المجاز المُرسل بإطلاق الكلّ وإرادة البعض، ونحن حين نسمع هذا القول، ويسرع إلى تصوّرنا أنّ الإِصبع كلّها لا تدخل عادة في الأُذن، إنّما الذي يدخل منها رأس الأنملة فقط، نعلم أنَّ المراد أنَّهم يجعلون رؤوس أناملهم في آذانهم، ولكنْ لَمَسْنا ذلك من وراء فاصل، وهو هنا ساتر المجاز المرسل.
ومع لمسِ المراد من وراء الساتر أحسسْنا بزينة خاصّة في هذا الساتر نفسه، وبفكرة مضافة، وهي أنّهم يبالغون بضغط أصابعهم على آذانهم، فلو كان الواقع يسمح بدخولها كلّها في آذانهم لفعلوا من شدّة ذعرهم وحذرهم، وهذا معنى بديع يضفي على الكلام زينة حلوة.
أسند فيه السيلان إلى الأودية، مع أنَّ السيلان للماء فيها، ولكنَّنا حين نقرأ أو نسمع هذا الكلام نلمَس المقصود به من وراء فاصل وهو ساتر المجاز، إِذْ أُسنِد السيلان للمحلّ، وهو هنا الأودية، ومع لمْس المراد من رواء الساتر نحسّ بزينة خاصّة في هذا الساتر، وبفكرة مضافة، وهي أنّ النّاظر إلى تدفّق الماء في الأودية، وتدافع أمواجه، يتوهّم في لحظات الانبهار أنّ الأودية تجري أيضاً مع