فكُلما ذُكِرَ اللّفظ ربط به الذّهن معناه، مستخرجاً له من خزائن المعاني عنده، ووضعه في ساحة التصوّر الحاضر.
وتعجُّ كتب العلوم بالألفاظ المستحدثَة التي هي من هذا القبيل، وتُعْرَف بالمصطلحات العلميّة.
وتتزايد في تداول النّاس ضمن لغاتهم الدَّارِجات ألفاظ تدلُّ على معانٍ لم يكنْ لها من قبل ألفاظ تدلُّ عليها، لأنَّ هذه المعاني لم تكن موضوعة من قبل موضع التداول العام، إذْ لم تكنْ الحاجة ماسّة إلى تداولها بين النّاس.
وفي المقابل تموت ألفاظ دالّة على معانٍ لأنّ هذه المعاني لم تعد الحاجة ماسّة إلى تداولها، كأسماء بعض الأدوات التي أهمل النّاس استعمالها.
ومِنَ المُلاحظ أنَّ اللّغات يسرق بعضها من بعض مَعَانِيَ وألفاظاً فتغدو متداولة في غير مواطنها الأصليّة بعدَ أنْ لم تكنْ كذلك.
وكثيراً ما يحتال الإِنسان ليدلّ الآخرين على معنى لا يجد له في اللّغة لفظاً يدلّ عليه دلالة واضحة، إذْ يَلْحَظُ شبهاً قويّاً أو ضعيفاً بينه وبين شيء ممّا له في اللّغة لفظ يدلُّ عليه، فيستخدم اللّفظ الدالَّ على هذا الشبيه فيضرب مثلاً منه، وإذا كان هذا المعنى الشبيه قابلاً للتعميم، ثم التجريد من الحدود الحسّية إذا كان من الحسّيّات، فإنَّ الإِنسان يلجأ عادة إلى التعميم بملكة التعبير اللَّغويّة الموجودة في فطرته المكتسبة من مجتمعه، وعندئذٍ ينقل اللّفظ الموضوع أساساً في عرف النّاس للمعنى الحسِّي، ويعمِّمه ثمّ يجرِّده من الحدود الحسِّيّة.
لقد كان الباب لفظاً دالاًّ في الحسِّيَّات على المدخل المخصّص وسط حاجز أو سُور، والذي يمكن فتحه وإغلاقه عند الحاجة، فيدخل منه الإِنسان هو وأشياؤه إلى دار أو بستان أو مدينة أو مغارة أو نحو ذلك، أو يخرج منه ...
ثمّ لاحظ النّاس أنّ هذا المعنى إذا عُمِّم وجُرِّد من الحدود التي عرفوها عند