الثاني: كونُ البَدَاء حقيقيًّا، وأن معنى بدء الشيءِ بالشيءِ تصديرُه به، وجعله قَبْل كلِّ عمل يعمل فيه، ولا شكَّ أنَّ هذا المعنى إذا حصلَ في بداءةِ أمرٍ ذي بالٍ بشيءٍ مِن البسملةِ والحمدلة، لا يُمكن أنْ يَحصُلَ في تلك البداءةِ بالآخَر.
الثالث: أن يكونَ الابتداءُ المذكورُ أمرًا خاليًا عن الامتدادِ.
الرابع: أن تكونَ الباءُ فيها صلةً للبَداء.
الخامس: أنْ يكونَ المرادُ بالبَداءِ بتلك الأمورِ المذكورةِ تقديمُها في الذِّكْر اللسانيِّ الذي يُترجم عنه بلفظِ البسملةِ والحمدلةِ.
السادس: أن المرادَ مِن البسملةِ والحمدلة خصوصُ هذَيْن اللفظَيْن، وهل المرادُ بقوله: في الحديث: "لا يُبدأُ فيهِ بالحمد للهِ" (١) الحمدُ اللغويُّ أو العرفيُّ؟ وحمَلَه ابنُ قاسمٍ على الأول، قال: حتى لو حَمد اللهَ تعالى بقلبِه كان محصِّلًا للافتتاحِ بالحمد. وقال الشيخُ العلقميُّ: اللفظُ الواردُ منه ﷺ يُحمل على حقيقتِه اللغويَّة، ما لم يكن هناك ما يَصرِفه عنها، نحو: ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [البقرة: ٤٣] ويَجري هذا الخلافُ في قولِهم: إنَّ الحمدَ في مقابلة النعمةِ واجبٌ.
(١) وتمامه: "كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله، فهو أجذم" وهو عند أبي داود (٤٨٤٠)، وابن ماجه (١٨٩٤)، والنَّسائي في الكبرى (١٠٢٥٥) عن أبي هريرة ﵁. وأخرجه أيضًا النسائي في الكبرى (١٠٢٥٦) و (١٠٢٥٧) عن الزهري مرسلًا. ورجَّح الدارقطني في "سننه" (٨٨٣)، وفي "العلل" ٨/ ٣٠ الرواية المرسلة على الرواية الموصولة. وقد حَسَّن الرواية الموصولة النووي في "المجموع" ١/ ١١٧.