للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وأردف البسملةَ بالحمدلةِ؛ اقتداءً بأسلوبِ الكتابِ، وعملًا بما صحَّ مِن قوله : "كُلُّ أمرٍ ذِي بالٍ" أي: صاحبِ حال يُهتمُّ به شرعًا "لا يُبْدَأُ فيه بالحمدُ للهِ فهو

الذي حَمِدَ اللهُ به نفسَه، وحَمِدَه به أنبياؤُه وأولياؤُه، فالعبرةُ بحمدِ مَن ذكر، فلا فردَ منه لغيرِه (١).

(اقتداء) علَّةٌ للجَمْعِ بين الأمرَيْن والترتيبِ بينهما.

(وعملًا) علَّةٌ للابتداءِ بالحَمْدلة فقط؛ بدليلِ ما بعدَه.

(أي: صاحب حالٍ يهتمُّ به شرعًا) وهو بيانٌ للمراد مِن البالِ في هذا المقامِ، وإلا ففي "المختار" (٢): البَال: رَخَاء النَّفْسِ، يقال: فلانٌ رَخِيُّ البالِ، والبَال: الحالُ، يُقال: ما بَالُكَ. وفي "النهاية" (٣): البال: الحالُ والشَّأْن. وأمرٌ ذو بالٍ: أي: شريفٌ يُحتَفل له ويُهتمُّ به. أي: يُقصد لذاته وليس محرَّمًا ولا مكروهًا، ولا ذِكْرًا محضًا، ولا جعَل الشارعُ له مبدأ بغيرِ البسملةِ، فخرج بِقَيد الأمْرِ بذي البالِ، وكونه يهتمُّ به شرعًا، الأمْرُ الحقيرُ الذي لا يهتمُّ به الشارعُ، وليس له خطرٌ ولا شَرفٌ، فلا يُبدأ فيه ببسمِ الله؛ تعظيمًا لاسمِه تعالى، حيث لا يُبدأ فيه إلَّا في الأمورِ العظيمةِ، وتسهيلًا على العبادِ حيثُ لم يُطلَب منهم التسميةُ في محقَّرات أمورِهم، ففي وصفِ الأمرِ بذي بالٍ وتقييدِه به فائدتان، الأُولى: رعايةُ تعظيمِ اسمِ اللهِ سبحانه، حيث يُبدأ به في الأمورِ التي لها شأنٌ وخَطَر. والثانية: التيسيرُ على الناسِ في محقَّرات الأمورِ (٤).

("بالحمد لله") بالرَّفع، فإنَّ التعارضَ لا يحصُل إلَّا بشروطٍ ستَّة:


(١) حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي" ١/ ٨٤ بنحوه.
(٢) "مختار الصحاح" (بَوَلَ).
(٣) "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير ١/ ١٦٤.
(٤) "حاشية الجرجاني على الكشاف للزمخشري" ١/ ٣١ - ٣٢ بنحوه.