وأُجيب: بأنَّا لا نُسلِّم أنَّها ليست مختارةً له تعالى، بل ندَّعي أنَّها مختارة، لا بمعنى أنَّه أوجدَها حتى يلزمَ المحذورُ، بل بمعنى أنَّ الذاتَ القديمةَ استلزمت وجودها على ما هِيَ عليه مِن صفاتِ الكمالِ، فنُزِّلت تلك الصفاتُ -بسببِ اقتصارِ الذاتِ لها واستلزامِها لها- منزلةَ أفعالٍ اختياريَّة، فأُطلِق عليها اختياريَّة مجازًا، أو بأنَّ تلك الصفاتِ الذاتيةَ لمَّا كانت مبدأ الأفعالِ اختياريَّةً ومنشأً لها، صار الثناءُ عليها باعتبار ما ترتَّب عليها مِن الأفعالِ الاختياريَّة حَمْدًا.
(على قَصْد التعظيمِ) فيه أنَّ أهلَ اللغةِ لم يَعتبروا في اصطلاحِهم التعظيمَ الظاهريَّ فضلًا عن قصدِه؟.
أجيب: بأن المقصودَ مِن التعريفِ الحمدُ المقيدُ به، لما قال صاحبُ "الكشافِ": إنَّما يُعتدُّ بالحمدِ إذا واطَأَ القلبَ، وإلا فهو كذبٌ واستهزاءٌ، أو بأنَّ الثقاتَ نَفَوا ذلك عن اللُّغويين وهم معتمَدونَ في النَّقْل، ويكفي في صحَّة ما ادَّعوا ثبوتُ ذلك في الجملةِ، ولا يُنافيه ثبوتُ الأعمِّ عن اللغويين -إن سَلِمَ- لجوازِ الاشتراكِ.
فقوله: لم يَعتبروا. لا موقعَ له في التحقيقِ؛ لأنَّه إنَّما يَرِدُ عليه إذا ثبتَ الاستقراءُ التامُّ لتصريحاتِهم وللأمورِ التي يُستنبَط منها ذلك، واستقراءُ الغالبِ ممتنعٌ، فضلًا عن التامِّ، وإنَّما لم يذكر في التعريف سوى تعلُّق بالفضائل … إلخ؛ لأنَّه ليس مِن التعريفِ، وإنَّما يُؤتَى بهذه الجملةِ للتعميمِ في التعريفِ بين المزايا المتعدَّية والقاصرةِ.
(ثابت) فيه إشارةٌ إلى أنَّ الخبرَ محذوفٌ، وأمَّا لامُ التحليلِ فهي متعلِّقةٌ بالحمدِ الذي هو المبتدأُ، فالظرفُ لغويٌّ.
واعلَمْ أنَّ قولَهم: تقديرُ الحمدِ ثابثٌ للهِ. ليس معناه أنَّه قائمٌ به؛ لأنَّه حادثٌ قائمٌ بالحامدِ، بل معناه أنَّه مستحِقٌّ، بتقدير: أُثني على اللهِ، وبه يظهر قولُ بعضِهم: إنَّ مَنْ قدَّره