للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أوْلى، فيصيرُ معنى التعريفِ: إنَّ الحمدَ هو الوصفُ بالجميلِ؛ لأَجْل الفعلِ الجميلِ الاختياريِّ، فيكون الحمدُ مختصًّا بالفاعلِ المختارِ، وعليه فالاختيارُ قَيْدٌ لمحذوفٍ، بخلافِ المَدْح، فإنَّه يعمُّ الاختياريَّ وغيرَه، ومِن ثَمَّ اختير الحمدُ على المدحِ؛ لشعورِه بالاختيارِ، أو أنَّ الباءَ في الجميلِ، بمعنى "على"، وأنَّه لم يتعرَّض للمحمودِ به؛ لاستلزامِ الوصفِ له، مثالُ المحمودِ به وعليهِ: زيدٌ عظيمٌ؛ لأنَّه أحْسَنَ إليَّ. فوَصْفك له بالعظمةِ محمودٌ به، وبالإحسان محمودٌ عليه؛ لأنَّ الأوَّلَ وصْفٌ قائمٌ به لا اختياريٌّ، ولذلك يُقال: مدحتُ اللؤلؤةَ على صفائِها، ولا يُقالُ: حَمدتُها على صفائِها؛ لأنَّ صفاءَها ليس اختياريًّا، فدخل في الذِّكْر باللسان المعرَّفُ وغيرُه؛ لأنَّه كالجنسِ؛ لاشتمالِه على الماهيَّاتِ الاعتباريَّة والحقيقيَّة، كالحيوانية، وخرَّج الثناءُ باللسانِ الثناءَ بغيرِه، كالثناء بالأركانِ والجَنَان، وذلك بعضُ أنواعِ الحمدِ العرفيِّ، وبالجميلِ الثناءَ باللسانِ على غيرِ الجميلِ كالقبيحِ، وبالاختياريِّ المدحَ؛ فإنَّه يعمُّ الاختياريَّ وغيرَه؛ لأنَّه لغةً: الثناءُ باللسانِ على الجميلِ مطلقًا اختياريًّا أو غيرَه، تقول بالنسبة لغيرِ الفعل الاختياريِّ: مَدَحتُ اللؤلؤةَ على حُسْنها، ومَدَحتُ زيدًا على رَشاقة قَدِّه، دون حمدتُهما؛ لأنَّ كلًّا من الحُسن واللَّطافة ليس فِعْلًا اختياريًّا، فلا تقول: حَمِدْتُ اللؤلؤةَ … إلخ؛ لأنَّ المحمودَ عليه -كما علمتَ- لا بُدَّ أن يكونَ فِعلًا اختياريًّا، وكلٌّ مِن ذلك غيرُ اختياريِّ، وهذا عند مَن قال: إنَّه غيرُ مرادفٍ للحمدِ، وعلى المرادَفةِ فقَيْدُ الاختياريِّ المقيَّد به الجميلُ المحمودُ عليه في تعريفِ الحمدِ بيانٌ لماهيَّة الحَمْد، لا للاحترازِ عن المدحِ، والراجحُ الأوَّلُ، على ما جزَم به ابنُ عبدِ الحقِّ.

وقوله: "الاختياري" منسوبٌ للاختيارِ، فلا يَقع إلا عن اختيارِ، فيكون حادثًا، ومن ثَمَّ أُورِد على قيدِ الاختياريِّ بأنَّه يَلزم عليه عدمُ صحَّة حَمْدِ اللهِ، أي: حمدِ ذاتِه على صفاتِه الذاتيَّة، كالعِلْم والقُدرة والإرادة؛ لأنَّ تلك الصفاتِ الشريفةَ المقدَّسةَ ليست أفعالًا، ولا يُوصف ثبوتُها باختيارٍ، أي: لا يصحُّ أن يكون الاختيارُ وصفًا لثبوتِها؟.