للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بالمخلوقِ، بل (١) نفس الإرادةِ التي يردُّ بعضُهم الرَّحمةَ إليها، هي في حقِّه تعالى مخالفةٌ لإرادة المخلوقِ؛ إذ هي ميْلُ قلبهِ إلى الفعلِ، وإرادتهُ تعالى بخلافِ ذلك. وكذا ردُّ الزمخشري لها في حقه تعالى إلى الفعلِ بمعنى الإنعامِ مع أن فعل العبدِ الاختياري إنما يكونُ لجلْبِ نفعٍ للفاعلِ، أو دفعِ ضررٍ عنه، وفعلُه تعالى يخالف (٢) ذلك، فما فرُّوا إليه فيه من المحذورِ نظيرُ ما فرُّوا منه، وبهذا يظهرُ أنَّه لا حاجةَ إلى دعوى المجازِ في رحمتِه تعالى، الذي هو خلافُ الأصلِ المقتضي لصحةِ نفيها عنه، وضَعفِ (٣) المقصودِ منها فيه كما هو شأن المجاز؛ إذ يصحُّ أن تقولَ لمن قال: زيد أسد: ليس بأسد، وليست جرأته كجرأته.

والحاصل: أن الصفة تارةً تعتبر من حيث هي هي، وتارةً من حيثُ قيامُها به تعالى، وتارةً من حيثُ قيامُها بغيرهِ تعالى، وليست الاعتباراتُ الثلاثةُ متماثلةً؛ إذ ليس كمثلهِ تعالى شيءٌ، لا في ذاتهِ، ولا في شيء من صفاتهِ، ولا في شيء من

المخلوقِ عَرَضٌ ينكشف به بعضُ المعلوماتِ، بخلافِ العِلْم المطلَق، فإنَّه صفةٌ ينكشِفُ بها الشيءُ على ما هو عليه في الواقعِ، وبخلاف العِلْم المقيَّد باللهِ تعالى، فإنَّه صفةٌ قديمةٌ وجوديَّةٌ متعلِّقَةٌ بجميعِ الواجباتِ والجائزاتِ والمستحيلاتِ، فهكذا الرحمةُ.

والحاصل أن المَخلَص مِن الإشكالاتِ الحاملةِ على التأويلِ أَنْ تَعلمَ أنَّ الصفةَ لها اعتباراتٌ ثلاثةٌ:

تارةَ تُؤخَذ من حيث هي لا بِقَيْد قيامِها بالخالق، أو المخلوقِ، وتارةً تُؤخَذ من حيث قيامُها بالخالقِ، وهي في الاعتباراتِ الثلاثةِ حقيقةٌ مع اختلافِ تلك الاعتباراتِ، وذلك كما


(١) بعدها في هامش (ح): "تفسير".
(٢) في (ح) و (ز) و (م) "بخلاف".
(٣) في الأصل: "ضعفه".