للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإن استُحيضتْ مَنْ لها عادةٌ، بأنْ جاوز دمُها أكثرَ الحيضِ، جَلَسَتْها.

(وإن استُحيضت مَنْ) أي: امرأة (لها عادةٌ) مستقرَّة، واستحاضتها (بأن جاوز دمُها أكثرَ الحيض) وهو خمسةَ عشر كما تقدَّم (جلستْها) أي: عادتَها، ولو كان لها تمييزٌ صالح؛ لعموم قولِه لأمِّ حبيبة إذ سألْته عن الدَّم:

(وإن استُحضيت مَن لها عادةٌ) أي: وهي مَن تَعرفُ وقتَ حيضِها وطُهرِها وشهرِها وتكرَّر. ولمَّا فرغَ الشارحُ من الكلامِ على ما يتعلَّق بالمبتدأة من الأحكامِ، شرعَ في الكلامِ على أقسام المستحاضةِ المعتادةِ فقال: "وإن استُحضيت إلخ" لا يقال: المتكلِّم مختلفٌ، فلا يُقالُ: لمَّا فرغ الشَّارحُ، شرعَ المصنفُ، لمغايرة المتكلِّمِ؛ لأنَّا نقول: نزِّلا منزلةَ شخصٍ واحدٍ (بأنْ جاوزَ دمُها أكثرَ الحيضَ) تصويرٌ للاستحاضةِ (جلسَتها، أي:) قدْرَ (عادتِها) في مثلِ زمنِها، فإن كانت خمسًا من أوَّل الشهرِ، فاستُحضيت، فإنَّها تجلسُ خمسًا من أوَّل كلِّ شهرٍ (ولو كان لها تمييزٌ) لأن النبيَّ أمر بالعادة غيرَ واحدةٍ من المستحاضات ولم يَفْصل، وفرَضَهنَّ كلَّهن غيرَ مميِّزات، والتمييزُ إنَّما جاءَ عنه في فاطمةَ بنتِ أبي حُبَيش (١)، وقد صحَّ أنَّه ردها إليه، وفد نُقل عن الإمامِ أحمدَ أنَّها نَسِبت أيامَها، فعُلم أنَّه ردها إلى التَّمييز، لأنَّها ذكرت أنَّها ناسيةٌ، ويدلُّ عليه قولُه : "المستحاضةُ تدعُ الصلاةَ قدْرَ أيامِ أقرائها، ثم تغتسلُ وتتوضَّأ لوقت كلِّ صلاةٍ، وتصومُ وتصلِّي" رواه ابنُ ماجه (٢). ولأنَّها معتادةٌ، فلم تلتفتْ إلى صفة الدَّم كغير المعتادةِ.

واعلَمْ أن العادةَ على ضربين: متَّفقة، ومختلفة، بمداخَلةٍ ومباينَةٍ، فالمتفقةُ أن تكونَ


(١) سلف ص ٣٥٤.
(٢) برقم (٦٢٥) عن عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جدِّه. ولفظه: "وتتوضأ لكل صلاة … " وأخرجه أبو داود (٢٩٧)، والترمذي (١٢٦) بلفظ: "عند كل صلاة … ". وضعَّفه أبو داود وابن حجر في "التلخيص الحبير" ١/ ١٦٩، وقال الترمذي: تفرَّد به شريك عن أبي اليقظان، وسألت محمدًا -يعني البخاري- عن هذا الحديث فقلت: عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جده، جد عدي ما اسمه؟ فلم يعرف محمد اسمه، وذكرت لمحمد قول يحيى بن معين أن اسمه: دينار، فلم يعبأ به.