للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والغَدْرُ مَذْمُومٌ عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ، لَاسِيَّمَا عِنْدَ العَرَبِ، وَكَانَ أَبُو حَنْبَلٍ حَارِثُ بنُ مُسَيَّرٍ الطَّائِيُّ مِنْ وُفَاةِ العَرَبِ، وَكَانَتْ نَزَلَتْ بِهِ نَازِلَةٌ عَظِيمَةٌ هَمَّ أَنْ يَغْدِرَ بِذِمَّةٍ عَهْدَهَا، وَفِيهِ قِصَّةٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى الوَادِيَ فَنَادَى: أَلَا إِنَّ أَبَا حَنْبلٍ غَادِرٌ، فَأَجَابَهُ بِذَلِكَ الصَّدَى الجَبَلُ، ثُمَّ نَادَى: أَلَا إِنَّ أَبَا حَنْبَلٍ وَافٍ، فَأَجَابَهُ بِذَلِكَ الصَّدَى، فَقَالَ: "هَذِهِ أَحْسَنُ مِنْ تِلْكَ"، ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ، فَحَلَبَ جَذَعَةً مِنْ غَنَمِهِ، فَشَرِبَ لَبَنَهَا، وَمَسَحَ بَطْنَهُ، فَقَالَ: أَغْدِرُ وَقَدْ أَجْزَانِي لَبَنُ جَذَعَةٍ؟! فَوَفَّى، وَقَالَ (١): [مِنَ الوَافِرِ]

[لَقَدْ آلَيْتُ] (٢) أَغْدِرُ فِي جَدَاعِ … وَلَوْ مُنِّيتُ أُمَّاتِ الرَّبَاعِ

لِأَنَّ الغَدْرَ فِي الأَقْوَامِ عَارٌ … وَأَنَّ [الحُرَّ] (٣) يَجْزَأُ بِالكُرَاعِ

إِلَّا أَنَّهُمْ [ … ] يَغْدِرُونَ لِضَرِورَةٍ تَلْحَقُهُمْ، وَلَيْسَ البَقَاءُ عَلَى الوَفَاءِ إِلَّا لِلرُّسُلِ كَمَا ذَكَرَهُ هِرَقْلُ.

قَوْلُهُ: (الحَربُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سِجَالٌ) قَدْ ذَكَرَ مَا يَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَيْهِ، وَأَصْلُهُ فِي المُسَاقَاةِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِهَذَا سَجْلٌ مِنَ المَاءِ، وَلِذَلِكَ سَجْلٌ.

وَالسَّجْلُ: الدَّلْوُ العَظِيمَةُ بِمَائِهَا، وَ [ … ] (٤) الْمُسَاجَلَةُ، ثُمَّ هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ النَّصِيبِ وَالحَظِّ مِنَ الشَّيْءِ، وَكَذَا الذَّنُوبُ الَّذِي بِمَعْنَاهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿فَإِنَّ


(١) ذكر القِصَّة ابن حَبيبٍ الهاشِمِيّ في الْمُحَبَّر (ص: ٣٤٨ - ٣٥٥)، وابنُ قُتَيْبَة في الشِّعْر والشُّعَرَاءِ (١/ ٦٠).
(٢) سَاقِطَةٌ من المخْطُوط، والاستدراكُ مِن مَصَادِر تخْرِيج البَيْتِ.
(٣) سَاقِطَةٌ مِن المخْطُوط، والاسْتِدْراكُ مِن مَصَادر تَخْرِيج البَيْتِ.
(٤) خُرُوم في أسْفَل الحَاشِية اليُسرى مِن المخْطُوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>