كتاب شرح صحيح البخاري - الأصبهاني

حَفِظَ الشَّافِعِيُّ الْمُوَطَّأَ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ (١)، وَرَحَلَ الشَّافِعِيُّ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَقَرَأَ الْمُوَطَّأَ عَلَى مَالِكٍ، وَعُمْرُهُ إِذْ ذَاكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً (٢).

قَالَ الشَّافِعِيُّ: "أَنَا قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ قِرَاءَتِي" (٣).

وَأَثْنَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى رِوَايَتِهِ لِلْمُوَطَّأِ، فَقَالَ: "كُنْتُ سَمِعْتُ الْمُوَطَّأَ مِنْ بِضْعَةَ عَشَرَ نَفْسًا مِنْ حُفَّاظِ أَصْحَابِ مَالِكٍ، فَأَعَدْتُه عَلَى الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنِّي وَجَدْتُهُ أَقْوَمَهُمْ بِهِ" (٤).

وَنَقَلَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَحْمَدَ، قَالَ: "سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ الْمُوَطَّأَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ، لِأَنِّي رَأَيْتُهُ فِيهِ ثَبْثًا، وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ جَمَاعَةٍ قَبْلَهُ" (٥).

حَتَّى إِنَّ سِرَاجَ الدِّينِ البُلْقِينِيَّ اعْتَرَضَ عَلَى مَنْ قَدَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَهْبٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْلَمَةَ عَلَى الشَّافِعِيِّ ﵀، لإِطْبَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ أَجَلُّ مَنْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ عُمُومًا (٦).

وَرِوَايَتُهُ: لَا يُعْلَمُ عَنْهَا شَيْءٌ مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ، فَقَدْ قَالَ الإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ الدَّانِيُّ بَعْدَمَا ذَكَرَ جُمْلَةً مِنْ رُوَاةِ المُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ: "وَمِمَّنَ نُقِلَ إِلَيْنَا وَلَمْ نَرَ لَهُ

(١) تاريخ بغداد للخطيب (٢/ ٦٣).
(٢) إتحاف السالك برواة الموطأ عن الإمام مالك (ص: ١٠٧).
(٣) الانتقاء لابن عبد البر (ص: ١٢٨).
(٤) الإرشاد للخليلي (١/ ٢٣١).
(٥) الكامل في الضعفاء لابن عدي (١/ ٢٠).
(٦) محاسن الاصطلاح وتضمين كتاب ابن الصلاح (ص: ٨٤).