للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبارزة، فبرز إليه علْج آخر فقتله، حتّى قتل ستة عُلوج، وطلب البراز.

قال: فكأنهم كاعوا عنه فضرب دابّته، وطرد بين الصَّفَّين وغاب. فلم نشعر بشيء إذ أنا بابن المبارك في الموضع الذي كان [١] . فقال لي: يا أبا عبد الله، لئن حدّثت بهذا أحدا وأنا حيّ، وذكر كلمة.

قال الحاكم: أخبرني محمد بن أحمد بن عَمْر، نا محمد بن المنذر:

حدَّثني عَمْر بن سعيد الطّائيّ، نا عَمْر بن حفص الصوفي بمنبج قال: سار ابن المبارك من بغداد يريد المصّيصة، فصحبه الصُّوفيّة فقال لهم: أنتم لكم أنفسٌ تحتشمون أن تنفق عليكم، يا غلام، هات الطّسْت. فألقى على الطّسْت منديلا ثمّ قال: يُلقي كلُّ رجلٍ منكم تحت المنديل ما معه. قال: فجعل الرجل يُلقي عشرة دراهم، والرجل يلقي عشرين درهمًا. قال: فأنفق عليهم إلى المصِّيصة. فلمّا بلغ المصّيصة قال: هذه بلاد نفير، وقَسَّم ما بَقِيَ، فجعل يعطي الرجل عشرين دينارًا، فيقول يا أبا عبد الرحمن: إنّما أعطيت عشرين درهمًا، فيقول: وما تذكُر [٢] أنّ الله يُبارك للغازي في نفقته [٣] .

أحمد بن الحَسَن المقرئ: ثنا عبد الله بن أحمد الدَّوْرَقيّ: سمعتُ محمد بن عليّ بن الحَسَن بن شقيق: سمعتُ أبي قال: كان ابن المبارك إذا كان وقت الحجّ اجتمع إليه إخوته من أهلِ مَرْو، ويقولون: نَصْحَبُك، فيقول: هاتوا نفقاتكم، فيجعلها في صندوق، ثمّ يكتري لهم ويُطعمهم أطيب الطّعام والحَلْواء، فإذا وصلوا إلى الحَرَمَيْن يقول لكلّ منهم:

ما أمَرك عيالك أن تشتري لهم؟ فيقول: كذا وكذا. ثمّ لا يزال يُنفق عليهم حتّى يصيروا إلى مَرْو. قال: فَيُجصّص دُورهم، ويصنع لهم وليمةً بعد ثلاث، ثمّ يكسوهم. فإذا أكلوا وشربوا دعا بالصّندوق، ويدفع إلى كلّ رجل منهم صرّته عليها اسمه [٤] .


[١] مناقب أبي حنيفة ٤٥٤، ٤٥٥.
[٢] في تاريخ بغداد «وما تنكر» .
[٣] تاريخ بغداد ١٠/ ١٥٧، ١٥٨.
[٤] تاريخ بغداد ١٠/ ١٥٨، صفة الصفوة ٤/ ١٤٠، ١٤١، البداية والنهاية ١٠/ ١٧٨، مرآة الجنان ١/ ٣٨٠، تهذيب الكمال ٢/ ٧٣١.