للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أنَّ هذا يَحتاجُ إلى نقلٍ، ولا يمكنُكُم الظَّفرُ بآيةٍ تُتلى، ولاسُنَّةٍ تُروى في ذلك، وقوله: {فَلَنُوَلِّيَنَّك} [البقرة: ١٤٤] ورَد مع قولِه: {فولِّ وَجْهَك} [البقرة: ١٤٤]، ولا يمكنكُم نقلُ تاريخٍ بين الإشعار والأمرِ المقتضي للنسخ.

على أن الإشعارَ بالَّنسخ بيانُ غايةِ الحكم، ودْلكَ لا يُعَدُّ نسخاً، بدليلِ قولِه: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧]، وقوله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: ١٨٧]، وقوله: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢]، فهذا لما أبان فيه عن الغايةِ والعاقبةِ، لم يُعَد نسخاً، فكان اشتراطُ الإشعارِ إحالةً للنسخِ، وخروجاً عن الإجماع.

ولأنَّ تقديمَ الإشعارِ يُسْقِطُ جمهورَ التعبُّدِ، وذلك أنه لَما كلَّفَهم أن يلقى الواحد من المسلمين عشرةً من المشركين، فقال (١): {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا} [الأنفال: ٦٥]، كان ذلك مع كتم التخفيف بالنسخ إلى لقاء الواحد للاثنين، أثقلَ وأعظَم على النفوس، ثم لما جاءَ التخفيفُ بعد ذلك، كان أشد وقعاً في القلوب مسرةً وابتهاجاً بالرخصةِ، والكتمُ في الأول أَجلب للثوابِ؛ لأنَّه إنَّما يقعُ على قَدْرٍ العَناءِ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة رضي الله عنها: "ثوابُكِ على قدْرِ مشقتك (٢) " (٣).

فإن قيل: تأخيرُ بيانِ النسخ لا يُفْضِي إلى الإخلالِ بصحةِ الأداءِ


(١) في الأصل: "قال".
(٢) كتب فوقها في الأصل: "نصبك".
(٣) تقدم تخريجه ١/ ٢٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>