للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: أن تُبنى المسألةُ على أصلٍ، وهو (١) أنَّ الأمر يتناول المعدومَ ليُوجَدَ في الثاني، وعَدَمُ المخاطَبِ رأساً أَوْكَدُ من عدَمِ فهمِه للخطاب، وقد دلَّلْنَا على ذلك الأصل، واستوفينا بيان الحججِ فيه (٢)، فكان دليلاً على هذا المذهب من طريق الأَوْلى، لأنه إذا ثبت جواز خطابِ المعدوم ليُوجدَه، فأحرى أن يَجُوزَ خطابُ الموجود بما لا يفهمُه في الحال، ليُبَيِّنهَ له في الثاني ويُفْهِمَه، وقد وافَقَنَا في هذا الأصلِ جماعةٌ ممن خالَفنَا في هذه المسألةِ، فهو حجة عليهم.

ونسوق الدلالةَ على الأصلِ في حقِّ مَن خالفنا.

ومنها: أن النسخَ تخصيصُ الأزمانِ، وهو أنَّه بيَّنَ أنَّ المرادَ بالأَمْر وقوعُ المأمورِ به في وقتٍ تقْصُرُ عن الدوامِ، كما أنَّ العمومَ يكشفُ عن أنَّ المرادَ به بعضُ الأعيانِ، دونَ استيعابِ جنس الأعيانِ، ثمَّ إنَّه جاز تأخيرُ بيانِ النسخِ عن وقتِ الخطابِ إلى وَقتَ الحاجةِ في العملِ بالنَّسخ، وهِجْرانُ المنسوخِ بعد اعتقادِ التأبيدِ، وأنَّه مصلحةٌ على الإطلاق، وحَسَنٌ على الدوام، ثم بَانَ بالنسخِ أنَّه ليس بحسنٍ، ولا مصلحةٍ في جميعِ الزمان، كذلك التخصيصُ، ولا فرقَ بَينَهما.

فإن قيل: لا يُسَلَّمُ، بل لا بُدَّ من نوع إشعارٍ، يَشْهَدُ لذلك قولُه تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: ١٤٤].

قيل: هذا لا يصح لوجوهٍ:

أَحَدُها: أنَّه بمثل هذا لا يكون إعلاماً بالوقتِ الذي ينقل عنه.


(١) في الأصل: "و".
(٢) انظر ما تقدم في ٣/ ١٧٧ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>