على أن تقديم الجرح على التعديل، أو إعمال التعديل والإعراض عن الجرح، يكون محكوماً - في بعض الأحيان - ببعض الضوابط والأمور التي ينبغي أن تراعى عند التعرض لهذه المسألة.
ونستطيع - من خلال النظر في كلام ابن القَيِّم في الرجال، وتحليل بعض أقواله - أن نستخلص بعض هذه الضوابط وتلك الملاحظات، فمن ذلك:
أولاً: أن أقوال الأئمة في الراوي قد تَرِدُ مقيدة، فيجب مراعاة تلك القيود عند التعارض.
تناول ابن القَيِّم - رحمه الله - هذه المسألة في أكثر من مناسبة، وبَيَّنَ أن الرجل قد يحتج به فيما رواه عن شيخ، ويترك في شيخ آخر. أو يوثق في روايته عن أهل بلد، ويضعف - هو بعينه - فيما رواه عن أهل بلد آخر.
ونَبَّهَ - رحمه الله - على ضرورة مراعاة ذلك في كلام الأئمة وحكمهم على الرواة، وأنه لا ينبغي في مثل ذلك معارضة أقوال بعضهم ببعض، بل يُعمل بكل قول باعتبار.
قال رحمه الله -: "وهذه مسألة غير مسألة تعارض الجرح والتعديل، بل يظن قاصر العلم أنها هي، فيعارض قول من جَرَحَهُ بقول من عَدَّلَه، وإنما هي مسألة غيرها، وهي: الاحتجاج بالرجل فيما رواه عن بعض الشيوخ، وترك الاحتجاج به بعينه فيما رواه عن آخر"١.