الثاني، وهو الأوسط، الدواب والأنعام، وركب هو ومن معه في البطن الأعلى مع ما احتاج إليه من الزاد.
وروينا عن الشيخ الإمام الحافظ فخر الدين عثمان بن محمد بن عثمان التوريزي، نزيل مكة المشرفة، أنه قال: كنت أقرأ بمكة الفرائض، على الشيخ تقي الدين الحوراني، فبينما نحن جلوس، وإذا بعقرب تمشي، فأخذها الشيخ بيده، وجعل يقلبها في يده، فوضعت الكتاب من يدي، فقال: اقرأ، فقلت: حتى أتعلم هذه الفائدة، فقال: هي عندك، قلت: ما هي؟ قال:
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «١» : «من قال حين يصبح وحين يمسي: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، لم يضره شيء وقد قلتها أول النهار» . ومما يدفع شر الحية والعقرب، أن يقرأ عند النوم ثلاث مرات: أعوذ بربّ أوصافه سمية من كل عقرب وحية، سلام على نوح في العالمين، إنا كذلك نجزي المحسنين، أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.
[فائدة]
: يقال: لدغته العقرب تلدغه لدغا وتلداغا فهو ملدوغ ولديغ.
قال أبو داود الطيالسي، في قوله «٢» صلى الله عليه وسلم «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» : معناه أن المؤمن لا يعاقب على ذنبه في الدنيا، ثم يعاقب عليه في الآخرة. والذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، هو أبو عزة الجمحي الشاعر، واسمه عمر ووقع في الأسر يوم بدر، ولم يكن معه مال، فقال: يا رسول الله إني ذو عيلة، فأطلقه لبناته الخمس، على أن لا يرجع للقتال. فرجع إلى مكة ومسح عارضيه، وقال: خدعت محمدا مرتين، ثم عاد عام أحد مع المشركين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«اللهم لا تفلته» . فلم يقع في الأسر غيره، فقال: يا محمد إني ذو عيلة فأطلقني. فقال صلى الله عليه وسلم: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» . وأمر بقتله. والحديث المذكور رواه الشافعي ومسلم وابن ماجه.
وقوله لا يلدغ يروى بضمن الغين على الخبر، يعني أن المؤمن حازم لا يخدع مرة بعد مرة، ولا يفطن لذلك. وقيل: أراد به الخداع في أمر الآخرة دون أمر الدنيا. ويروى بكسر الغين نهيا، أي لا يؤتى من جهة الغفلة، وهذا يصح أن يتوجه إلى أمر الدنيا والآخرة أيضا.
ويؤيد ما قاله أبو داود الطيالسي، ما رواه النسائي، في مسند علي، عن أبي سخيلة أنه سمع عليا رضي الله تعالى عنه يقول: ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله تعالى؟ قالوا: بلى. قال: قوله تعالى: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ
«٣» . قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي ما أصابك من بلاء، أو عقوبة، أو مرض في الدنيا، فبما كسبت يداك.
والله أكرم من أن يثني على عبده في الآخرة العقوبة، وما عفا الله عنه في الدنيا، فالله أكرم وأحلم من أن يعود بالعقوبة بعد عفوه انتهى. ولذلك قال الواحدي: إن هذه الآية أرجى آية في القرآن،