فأدركنا أول الركب فلما انتهينا إلى بدر برك فنحرناه وتصدقنا بلحمه.
[فائدة أخرى:]
روى أبو القاسم الطبراني، في كتاب الدعوات، عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه، قال: غزونا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كنا في مجمع طرق المدينة، فبصرنا بأعرابي أخذ بخطام بعير حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن حوله فقال: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام، وقال:«كيف أصبحت» ؟ فجاء رجل كأنه حرسي فقال: يا رسول الله هذا الأعرابي سرق بعيري هذا، فرغا البعير وحن ساعة، فأنصت له النبي صلى الله عليه وسلم يسمع رغاءه وحنينه، فلما هدأ البعير أقبل النبي صلى الله عليه وسلم على الحرسي وقال:«انصرف عنه، فإن البعير يشهد عليك أنك كاذب» . فانصرف الحرسي وأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على الأعرابي، وقال:
«أي شيء قلت حين جئتني» ؟ فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله قلت: اللهم صلّ على محمد حتى لا تبقى صلاة، اللهم وبارك على محمد حتى لا تبقى بركة، اللهم وسلم على محمد حتى لا يبقى سلام، اللهم وارحم محمدا حتى لا تبقى رحمة. فقال صلى الله عليه وسلم:«إن الله تبارك وتعالى أبداها لي، والبعير ينطق بقدرته، وإن الملائكة قد سدوا أفق السماء» . وفيه أيضا عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال:«جاؤوا برجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فشهدوا عليه أنه سرق ناقة لهم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع، فولى الرجل وهو يقول: اللهم صلّ على محمد حتى لا يبقى من صلواتك شيء، وبارك على محمد حتى لا يبقى من بركاتك شيء، وسلم على محمد حتى لا يبقى من سلامك شيء.
فتكلم البعير وقال يا محمد إنه بريء من سرقتي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يأتي بالرجل فابتدر إليه سبعون من أهل بدر، فجاؤوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا هذا ما قلت آنفا؟ فأخبره بما قال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لأجل ذلك رأيت الملائكة يخترقون سكك المدينة، حتى كادوا يحولون بيني وبينك، ثم قال صلى الله عليه وسلم: لتردن على الصراط ووجهك أضوأ من القمر ليلة البدر» . اه-. وسيأتي، إن شاء الله تعالى، في الناقة حديث رواه الحاكم في هذا المعنى.
وروى «١» ابن ماجه عن تميم الداري رضي الله تعالى عنه قال: «كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل علينا بعير يعدو حتى وقف على هامة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورغا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها البعير اسكن فإن تك صادقا فلك صدقك، وإن تك كاذبا فعليك كذبك، مع أن الله قد أمن عائذنا، وليس بخائب لائذنا» . فقلنا: يا رسول الله ما يقول هذا البعير؟
فقال صلى الله عليه وسلم:«هذا بعير قد هم أهله بنحره وأكل لحمه، فهرب منهم واستغاث بنبيكم» . فبينما نحن كذلك، إذ أقبل أصحابه يتعادون فلما نظر إليهم البعير، عاد إلى هامة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلاذ بها، فقالوا: يا رسول الله هذا بعيرنا هرب منذ ثلاثة أيام فلم نلقه إلا بين يديك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أما أنه يشكو إلي ويبث الشكاية» فقالوا: يا رسول الله ما يقول؟ قال: يقول:
«إنه ربي في أمنكم أحوالا، وكنتم تحملون عليه في الصيف إلى موضع الكلأ فإذا كان الشتاء، حملتم عليه إلى موضع الدفء فلما كبر استفحلتموه، فرزقكم الله تعالى منه إبلا سائمة، فلما أدركته هذه السنة الخصبة هممتم بنحره وأكل لحمه» . فقالوا: يا رسول الله قد والله كان ذلك: فقال