ينظر إليه فأخذ دينارا فرمى به في البحر ودينارا في السفينة، حتى قسمها نصفين، فألقى ثمن الماء في البحر وثمن اللبن في السفينة» . قال: ومر أبو هريرة رضي الله تعالى عنه بإنسان يحمل لبنا وقد خلطه بالماء، فقال له أبو هريرة: كيف بك يوم القيامة، حيث يقال لك خلص الماء من اللبن؟
وقد تقدم في باب الهمزة، في لفظ الأسود السالخ حديث يتعلق بهذا والله تعالى أعلم.
[فائدة أخرى]
: روى الحاكم، في المستدرك عن الأصم، عن الربيع عن الشافعي، عن يحيى بن سليم عن ابن جريج، عن عكرمة قال: دخلت على ابن عباس رضي الله عنهما، وهو يقرأ في المصحف، قبل أن يذهب بصره، ويبكي، فقلت له: ما يبكيك جعلني الله فداك؟ فقال: هذه الآية وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ
الآية «١» . ثم قال: أتعرف أيلة؟ قلت:
وما أيلة؟ قال: قرية كان بها أناس من اليهود، حرم الله عليهم صيد الحيتان يوم السبت، فكانت الحيتان تأتيهم في يوم سبتهم شرعا بيضا سمانا كأمثال المخاض، فإذا كان غير يوم السبت، لا يجدونها ولا يدركونها إلا بمشقة ومؤنة، ثم إن رجلا منهم أخذ حوتا يوم السبت، فربطه إلى وتد في الساحل، وتركه في الماء، حتى إذا كان الغد أخذه فأكله ففعل ذلك أهل بيت منهم، فأخذوا وشووا، فوجد جيرانهم ريح الشواء، ففعلوا كفعلهم، وكثر ذلك فيهم فافترقوا فرقا: فرقة أكلت، وفرقة نهت، وفرقة قالت: لم تعظون قوما الله مهلكهم؟! فقالت الفرقة التي نهت: إنا نحذركم غضب الله وعقابه، أن يصيبكم بخسف أو قذف، أو بعض ما عنده من العذاب، والله ما نساكنكم في مكان أنتم فيه، وخرجوا من السور ثم غدوا عليه من الغد، فضربوا باب السور فلم يجبهم أحد فتسور إنسان منهم السور، فقال: قردة والله لها أذناب تتعاوى، ثم نزل ففتح الباب، ودخل الناس عليهم فعرفت القردة أنسابها من الإنس، ولم تعرف الإنس أنسابها من القردة! قال:
فيأتي القرد إلى نسيبه وقريبه فيحتك به ويلصق إليه، فيقول الإنسي: أنت فلان؟ فيشير برأسه أن نعم، ويبكي وتأتي القردة إلى نسيبها وقريبها الإنسي، فيقول: أنت فلانة فتشير برأسها أن نعم وتبكي. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: فاسمع الله يقول «٢» : أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ
فلا أدري ما فعلت الفرقة الثالثة، فكم قد رأينا من منكر ولم ننه عنه.
قال عكرمة: فقلت: ما ترى، جعلني الله فداك أنهم قد أنكروا وكرهوا، حين قالوا: لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا؟ فأعجبه قولي ذلك، وأمر لي ببردين غليظين، فكسانيهما. ثم قال: هذا صحيح الإسناد. وأيلة بين مدين والطور على شاطىء البحر. وقال الزهري: القرية طبرية.
وفي معالم التنزيل، قال عكرمة: فقلت له: جعلني الله فداك، ألا تراهم قد أنكروا وكرهوا ما هم عليه، وقالوا: لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا؟ وإن لم يقل الله أنجيتهم لم يقل أهلكتهم. فأعجبه قولي ورضي به، وأمر لي ببردين غليظين، فكسانيهما وقال: