رضي الله تعالى عنه، فجاء رجل فقال لمالك: إني رجل أبيع القماري، وإني بعت في يومي هذا قمريا فرده علي المشتري، وقال: قمريك لا يصيح، فحلفت له بالطلاق أنه لا يهدأ من الصياح، فقال له الإمام مالك: طلقت زوجتك ولا سبيل لك عليها! وكان الإمام الشافعي يومئذ ابن أربع عشرة سنة، فقال لذلك الرجل: أيما أكثر: صياح قمريك أم سكوته؟ فقال: لا بل صياحه، فقال: لا طلاق عليك. فعلم بذلك الإمام مالك، فقال: يا غلام من أين لك هذا؟ فقال: لأنك حدثتني عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أم سلمة أن فاطمة بنت قيس قالت: يا رسول الله إن أبا جهم ومعاوية خطباني، فقال «١» صلى الله عليه وسلم: «أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه» . وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبا جهم كان يأكل وينام ويستريح، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«لا يضع عصاه» على المجاز، والعرب تجعل أغلب الفعلين كمداومته، ولما كان صياح قمري هذا أكثر من سكوته، جعلته كصياحه دائما. فتعجب الإمام رضي الله تعالى عنه من احتجاجه، وقال له: أفت فقد آن لك أن تفتي فأفتى من ذلك السن.
[غريبة]
: ذكر ابن خلكان وابن الأثير، في تاريخهما، أن بعض الملوك بقلاع الهند، أهدى للسلطان محمود بن سبكتكين «٢» هدايا كثيرة من جملتها طائر على هيئة القمري، من خاصيته أنه إذا حضر الطعام وفيه سم دمعت عيناه وجرى منهما ماء وتحجر، فإذا حك ووضع على الجراحات الواسعة يختمها. ذكر ذلك ابن الأثير في حوادث سنة أربع وعشرين وأربعمائة، وذكره ابن خلكان، في ترجمة السلطان المذكور. ثم ذكر ابن خلكان في ترجمته، عن إمام الحرمين عبد الملك بن الشيخ أبي محمد عبد الله الجويني «٣» ، أن السلطان المذكور كان حنفي المذهب، وكان مولعا بعلم الحديث، وكان يسمع عنده الحديث، وكان يسأل عن معناه، فيجد أكثره موافقا لمذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، فجمع فقهاء المذهبين، والتمس منهما الكلام في ترجيح أحد المذهبين، فوقع الاتفاق على أن يصلى بين يديه ركعتين على مذهب الإمام الشافعي، ثم على مذهب الإمام أبي حنيفة ركعتان، فنيظر السلطان إلى ذلك، ويختار الأحسن.
فصلى القفال المروزي «٤» بطهارة سابغة، وشرائط معتبرة من الطهارة، والسترة، واستقبال القبلة، وأتى بالأركان والهيآت، والسنن والأبعاض والآداب، على وجه الكمال، وكانت صلاة لا يجوز الشافعي دونها.
ثم صلى ركعتين على ما يجوز أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه، فلبس جلد كلب كان مدبوغا، ولطخ بعضه بالنجاسة، وتوضأ بنبيذ التمر، وكان ذلك في صميم الصيف، فاجتمع عليه الذباب والبعوض وكان وضوؤه منكسا منعكسا، ثم استقبل القبلة، وأحرم بالصلاة من غير نية في