إذا فرخ يجعل في عشه قضبان الكرفس فلا يؤذيه إذا شم رائحته ولا يفرخ في عش عتيق حتى يطينه بطين جديد ويبني عشه بناء عجيبا. وذلك أنه يهيىء الطين مع التبن فإذا لم يجد طينا مهيئا ألقى نفسه في الماء ثم يتمرغ في التراب حتى يمتلىء جناحاه، ويصير شبيها بالطين، فإذا هيأ عشه جعله على القدر الذي يحتاج إليه هو وأفراخه ولا يلقي في عشه زبلا بل يلقيه إلى خارج، فإذا كبرت فراخه علمها ذلك. وأصحاب اليرقان يلطخون فراخ الخطاف بالزعفران فإذا رآها صفراء ظن أن اليرقان أصابها من شدة الحر فيذهب فيأتي بحجر اليرقان من أرض الهند، فيطرحه على فراخه، وهو حجر صغير فيه خطوط بين الحمرة والسواد يعرف بحجر السنونو فيأخذه المحتال فيعلقه عليه أو يحكه ويشرب من مائه يسيرا فإنه يبرأ بإذن الله تعالى. والخطاف متى سمع صوت الرعد يكاد أن يموت، وقال ارسطو في كتاب النعوت: الخطاطيف إذا عميت أكلت من شجرة يقال لها عين شمس فيرد بصرها لما في تلك الشجرة من المنفعة للعين وفي رسالة القشيري في آخر باب المحبة أن خطافا راود خطافة على قبة سليمان عليه الصلاة والسلام فامتنعت منه، فقال لها: أتمتنعين علي ولو شئت لقلبت القبة على سليمان، فسمعه سليمان فدعاه وقال له ما حملك على ما قلت؟ فقال:
يا نبي الله العشاق لا يؤاخذون بأقوالهم قال: صدقت.
[فائدة:]
ذكر الثعلبي وغيره في تفسير سورة النمل أن آدم عليه الصلاة والسلام، لما أخرج من الجنة اشتكى إلى الله تعالى الوحشة، فآنسه الله تعالى بالخطاف، وألزمها البيوت فهي لا تفارق بني آدم أنسالهم. قال: ومعها أربع آيات من كتاب الله عز وجل وهي «١» لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً
إلى آخر السورة، وتمد صوتها بقوله العزيز الحكيم. والخطاطيف أنواع:
منها نوع يألف سواحل البحر يحفر بيته هناك، ويعشش فيه، وهو صغير الجثة دون عصفور الجنة، ولونه رمادي والناس يسمونه سنونو بضم السين المهملة ونونين. وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب السين المهملة، ومنها نوع أخضر على ظهره بعض حمرة أصغر من الذرة يسميه أهل مصر الخضيري، لخضرته يقتات الفراش والذباب ونحو ذلك، ومنها نوع طويل الأجنحة رقيقها يألف الجبال، ويأكل النمل، وهذا النوع يقال له السمائم مفرده سمامه، ومنهم من يسمي هذا النوع السنونو الواحدة سنونوة، وهو كثير في المسجد الحرام يعشش في سقفه في باب إبراهيم وباب بني شيبة. وبعض الناس يزعم أن ذلك هو الطير الأبابيل الذي عذب الله تعالى به أصحاب الفيل. روى نعيم بن حماد عن الحسن رضي الله عنه، قال: دخلنا على ابن مسعود رضي الله عنه، وعنده غلمان كأنهم الدنانير، أو الأقمار حسنا فجعلنا نتعجب من حسنهم، فقال عبد الله كأنكم تغبطوني بهم؟! فقلنا: والله إن مثل هؤلاء يغبط بهم الرجل المسلم، فرفع رأسه إلى سقف بيت له قصير، قد عشش فيه الخطاف وباض، فقال: والذي نفسي بيده لأن أكون قد نفضت يدي من تراب قبورهم، أحب إلي من أن يخرج عش هذا الطائر فينكسر بيضه. قال ابن المبارك: إنما قال ذلك خوفا عليهم من العين. قال أبو إسحاق الصابي يصف الخطاف:
وهندية الأوطان زنجية الخلق ... مسوّدة الألوان محمرة الحدق
إذا صرصرت صرت بآخر صوتها ... حداد فأذرت من مدامعها العلق