ليلة صنّبر بعيدة ما بين الطرفين إذ تضاغى أصيبيتنا جوعا، عبد الله وعدي وسفانة، فقام حاتم إلى الصبيين، وقمت إلى الصبيّة، فو الله ما سكتوا إلّا بعد هدأة من الليل، وأقبل يعللني، فعرفت ما يريد فتناومت، فلما تهوّرت النجوم إذا شيء قد رفع كسر البيت فقال: من هذا؟ فولى ثم عاد آخر الليل، فقال: من هذا؟ قال: جارتك فلانة، أتيتك [١] من عند صبية يتعاوون عواء الذئاب، فما وجدت معوّلا إلا عليك أبا عدي، فقال: أعجليهم فقد أشبعك الله وإياهم، فأقبلت المرأة تحمل اثنين، ويمشي جانبيها أربعة، كأنها نعامة حولها رئالها، فقام إلى فرسه فوجأ لبته بمدية فخرّ، ثم كشط عن جلده، ودفع المدية إلى المرأة، فقال: شأنك فاجتمعنا على اللحم نشوي ونأكل، ثم جعل يأتيهم بيتا بيتا فيقول: هبّوا، عليكم بالنار، والتفع بثوبه ناحية ينظر إلينا، لا والله إن ذاق منه مزعة وانه لأحوج إليه منا، فأصبحنا وما على الأرض من الفرس إلا عظم أو حافر.
«٧٥٨» - مرض سعيد بن العاص بالشام، فعاده معاوية ومعه شرحبيل ابن السمط ومسلم بن عقبة المريّ ويزيد بن شجرة الرهاوي، فلما نظر سعيد إلى معاوية وثب عن صدر مجلسه إعظاما له، فقال له معاوية: أقسمت عليك أبا عثمان فإنك ضعفت للعلة، فسقط، فبادر معاوية نحوه حتى حنا عليه، وأخذ بيده فأقعده معه على فراشه وجعل يسائله عن علته ومنامه وغذائه، ويصف له ما ينبغي أن يتوقاه، وأطال القعود عنده. فلما خرج التفت إلى شرحبيل ويزيد ابن شجرة فقال: هل رأيتما خللا في حال أبي عثمان؟ فقالا: لا ما رأينا شيئا ننكره، فقال لمسلم: ما تقول أنت؟ قال: رأيت خللا، قال: وما ذاك؟
قال: رأيت على حشمه ومواليه ثيابا وسخة، ورأيت صحن داره غير