وأهله وشعراء الجاهلية والاسلام، إلى أن صرنا إلى المحدثين، ثم ذكرنا دعبل بن عليّ الشاعر الخزاعيّ فقال لي عبد الله: ويحك يا صيني إني أريد أن أوعز إليك بشيء تستره عليّ حياتي، فقلت: أصلح الله الأمير، وأنا عندك في موضع تهمة؟
قال: لا ولكن أطيب لنفسي أن توثّق بأيمان أركن إليها ويسكن قلبي عندها، فأخبرك، فقلت: أصلح الله الأمير، إذا كنت عنده في هذه الحال فلا حاجة له إلى إفشاء سره إلي، فاستعفيته مرارا فلم يعفني، فاستحييت من مراجعته وقلت: لير الأمير رأيه. قال: يا صيني قل: والله، فأمرّها عليّ غموسا ووكّدها بالبيعة والطلاق، ثم قال لي: ويحك أشعرت أني أظنّ أنّ دعبلا مدخول النّسب، وأمسك، فقلت: أعزّ الله الأمير، أفي هذا أخذت عليّ الأيمان والعهود والمواثيق؟ قال: اي والله لأني رجل لي في نفسي حاجة، ودعبل رجل قد حمل جذعه على عنقه، فهو لا يصيب من يصلبه عليه، وأتخوّف إن بلغه أن يبقي عليّ من الخزي ما يبقى على الدهر، وقصاراي أني إن ظفرت به وأمكنني ذلك منه وأسلمته اليمن، وما أراها تسلمه، لأنه اليوم لسانها وشاعرها والذابّ عن أعراضها والمحامي عنها والمرامي دونها، أن أضربه مائة سوط، وأثقله حديدا، وأصيره في مطبق باب الشام، وليس في ذلك عوض مما سار فيّ من الهجاء وفي عقبي من بعدي؛ قال، قلت: أتراه كان يفعل ويقدم عليك؟ قال: يا عاجز أهون عليه مما لم يكن. أتراه أقدم على سيدي هارون ومولاي المأمون وعلى أبي رحمه الله ولم يكن يقدم عليّ؟! قال، قلت: إذا كان الأمر على ما وصفه الأمير فقد وفّق فيما أخذ عليّ.
قال: وكان دعبل لي صديقا. فقلت: هذا قد عرفته، ولكن من أين قال الأمير إنه مدخول النسب؟ فو الله لعلمته في البيت الرفيع من خزاعة، وما أعلم فيها بيتا أكرم من بيته إلا بيت أهبان مكلّم الذئب، وهم بنو عمه دنية، فقال:
كان دعبل غلاما خاملا أيام ترعرع لا يؤبه له، وكان بينه وبين مسلم بن الوليد الأنصاريّ إزار لا يملكان غيره شيئا، فإذا أراد دعبل الخروج جلس مسلم في