البيت، وكذاك يفعل الآخر إذا خرج رفيقه، وكانا إذا اجتمعا لدعوة يتلازقان، يطرح هذا شيئا منه عليه، والآخر مثله، وكانا يعبثان بالشعر إلى أن قال دعبل بن علي هذا الشعر:
أين الشباب وأيّة سلكا
فثقفه بعض المغنين فغّنى به هارون الرشيد فاستحسنه واستجاد قوله:
ضحك المشيب برأسه فبكى
فقال للمغني: لمن هذا الشعر ويحك؟ قال: لبعض أحداث خزاعة ممن لا يؤبه له. قال هارون: ومن هو؟ قال: دعبل بن عليّ الخزاعي. قال: يا غلام أحضرني عشرة آلاف درهم، وحللا مما ألبسها أنا، ومركبا من مراكبي خاصة يشبه هذا. ودعا صاحبا له وقال: اذهب بهذا حتى توصله إلى دعبل بن علي الخزاعي، وأجاز المغني بجائزة عظيمة، وتقدّم إلى الرجل الذي بعثه إلى دعبل أن يعرض عليه المصير إلى هارون فإن صار وإلا أعفاه. فانطلق الرسول حتى أتى دعبلا في منزله، وخبره كيف كان سبب ذكره، وأشار عليه بالمصير إليه، فانطلق معه، فلما مثل بين يدي هارون قرّبه واستنشده الشعر وأعجب به، فأقام عنده يمتدحه ويجري عليه الرشيد الاجراء السنيّ، فكان الرشيد أول من جرّأه على قول الشعر وبعثه عليه، فو الله ما كان إلا بقدر ما غيّب الرشيد في حفرته إذ أنشأ يمتدح آل عليّ ويهجو الرشيد بقصيدة يقول فيها [١] : [من البسيط]
وليس حيّ من الأحياء نعلمه ... من ذي يمان ولا بكر ولا مضر
إلا وهم شركاء في دمائهم ... كما تشارك أيسار على جزر
قتل وأسر وتحريق ومنهبة ... فعل الغزاة بأرض الروم والخزر
[١] الشعر في ديوان دعبل: ١٧٨- ١٧٩ وزهر الآداب: ٩٢.