للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل ما ورد الخبر به أثبتناه، وما لم يرد لم نثبته بل ننفيه، وتكون عمدتنا في النفي على عدم الخبر.

بل هذا غلط لوجهين:

أحدهما: أن عدم الخبر هو عدم دليل معين، والدليل لا ينعكس (١)، فلا يلزم إذا لم يخبر هو بالشيء أن يكون منتفيا في نفس الأمر (٢).

ولله أسماء سمي بها نفسه واستأثر بها في علم الغيب عنده. فكما لا يجوز الإثبات إلا بدليل، لا يجوز النفي إلا بدليل. ولكن إذا لم يرد به الخبر ولم يعلم ثبوته يسكت عنه فلا يتكلم في الله بلا علم.

الثاني: أن أشياء لم يرد بها الخبر بتنزيهه عنها ولا بأنه منزه عنها، لكن دل الخبر على اتصافه بنقائضها فعلم انتفاؤها. فالأصل أنه منزه عن كل ما يناقض صفات كماله (٣). وهذا مما دل عليه السمع والعقل.

وما لم يرد به الخبر إن علم انتفاؤه نفيناه، وإلا سكتنا عنه. فلا نثبت إلا بعلم ولا تنفي إلا بعلم.


(١) أوضحه في موضع آخر بقوله: أما جنس الدليل فيجب فيه الطرد، لا العكس. فيلزم من وجود الدليل وجود المدلول عليه، ولا يلزم عدمه عدم المدلول عليه.
(٢) أوضحه في موضع آخر ما خلاصته: فما لم يرد به السمع يجوز أن يكون ثابتًا في نفس الأمر، وإن لم يرد به السمع إذا لم يكن نفاه، ومعلوم أن السمع لم ينف عنه أشياء هو منزه عنها كاتصافه بالبكاء والحزن، والجوع والعطش، والأكل والشرب والنكاح، أو أن يقال: له أعضاء كثيرة كالطحال، والمعدة، والأمعاء، والذكر، وغير ذلك مما يتعالى الله عز وجل عنه. فلا بد إذا من ذكر ما ينفي هذه الأمور بأسمائها الخاصة من السمع، وإلا فلا يجوز حينئذ نفيها كما لا يجوز إثباتها.
(٣) وذلك مثل أنه قد علم أنه الصمد، والصمد الذي لا جوف له ولا يأكل ولا يشرب، فهو منزه عن الأكل والشرب وعن آلات ذلك كالكبد والطحال والمعدة. وكذلك هو منزه عن الصاحبة والولد وعن آلات ذلك وأسبابه. وكذلك البكاء والحزن هو مستلزم للضعف والعجز الذي ينزه عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>