وكم كنت أود لو التمس الحكيم لنرسيسه فتاة أخرى. إيسمن في ذكرياتي هي إيسمين سوفوكليس..إيسمين العزيزة النبيلة. وما أخالها إلا منتقمة لذكراها الخالدة، وقد زجت إلى حيث لا تدرك لوجودها معنى.
ومزج الحكيم بين بجماليون ونرسيس، فالشخصيتان هما الفنان نفسه بجانبيه: جانب الحياة التي يجب أن يأخذ منها بنصيب، كما يأخذ جميع البشر، وجانب الفن الذي يريد الكاتب أن يوفر عليه كل نشاطه، ومن ثم نرى نرسيس يهرب ذات مرة مع جالاتيه نفسها، ولا تجد إيسمين في ذلك غضاضة قوية، ولا يجد بجماليون للغيرة ألما؛ وذلك لأن إيسمين متعة عابرة، ولأن نرسيس هو بجماليون نفسه، فالأمر إذن لا يعدو انتصار الحياة في برهة من أيام الكاتب أو الفنان، وهو بعد انتصار لا يضير الفن، إذا سار الفن مع الحياة سارت جالاتيه مع نرسيس.
وهكذا تعقدت حياة بجماليون بين يدي الحكيم، حتى طال تردده بين الحياة والفن، فآنًا يفرح ويطمئن إلى جالاتيه المرأة، وآنًا يعود فيحن إلى جالاتيه التمثال.
وأما القارئ فيشهد كل ذلك بعقله، وكأن تلك الشخوص أفكار مجردة، هامدة تتحرك لمجرد علاج مشكلة تدور بالعقل.. العقل البارد الذي لا يهز.
وبدأ يتضح اتجاهان في استخدام الأساطير عندنا: فهذا طه حسين يجعل من قناتهم شابا، كان يملأ الدنيا بهجة، ثم يموت الشاب فنحزن لموته؛ وهذا توفيق الحكيم يتخذ من بجماليون ونرسيس وإيسمين رموزا لعلاج إحدى مشاكل حياة الفنان، مشاكله الجسيمة يعالجها على نحو عقلي معقد مبسط.
ولنتمهل قليلا لنرى ماذا فعل كُتَّابنا بالأساطير؟ وماذا فعل كُتاب غيرنا من الشعوب؟ لنرى بوضوح كل ما يمكن كسبه لو أننا استطعنا أن نحسن استخدام ذلك الجانب الإنساني الرائع من خرافات الأولين: يونانيين كانوا أو عربا أو هنودا، ففيها كلها ما يغذي العقل والقلب، ويفتح أمام النشاط ميادين لا حد لغناها. ونحن اليوم على أبواب تطور خطير في حياتنا الروحية والفكرية؛ إذ من كان يظن في أوائل هذا القرن أن كتابنا سيرون في إحدى ترع الصعيد إلها شابا، أو يشقون شاعرا أو كاتبا من شعرائنا أو كتابنا كالأخطل مثلا أو ابن قتبية إلى بجماليون ونرسيس، إلى فن وحياة يرواغان ويتداخلان، وهذا اتجاه يبشر بالخير، خليق بأن يجدد حياتنا، ولكن على شرط أن يكون التجديد إنسانيا عميقا جميلا، وأما