حاولنا أن ندل على ما في قصيدة ميخائيل نعيمة "أخي" من عناصر إنسانية نعتقد أنها كفيلة بأن تضمن لها الخلود بين الناس كافة رغم ما قيلت من ملابسات خاصة، وها هي قصيدة أخرى لنسيب عريضة تخللها؛ لأنها تحرك عدة مسائل لا بد من أن نجلوها بضرب المثل: منها الغموض والوضوح، ومنها مشكلة العبارة وما يأخذه البعض ظلما على شعراء المهجر من هلهلة النسيج، ثم إن فيها إشارات كثيرة إلى نظريات فلسفية معروفة، ومع ذلك استطاع الشاعر بقوة إحساسه وروعة صوره أن ينجو بها عن استواء الأفكار المجردة، وأخيرا فيها ما يمكننا من معالجة العناصر الموسيقية في الشعر العربي وكيفية استخدامها.
القصيدة حديث يخاطب به الشاعر نفسه:
يانفس ما لك والأنين؟ ... تتألمين وتؤلمين؟!!
عذبت قلبي بالحنين ... وكتمته ما تقصدين
وها نحن منذ المقطوعة الأولى في جو شعري. وننظر في السؤال "يا نفس مالك والأنين؟ " فلا ندري أهو عتاب أم لوم أم شفقة؟! وهي تتألم وتؤلم على نحو لا نعلمه، ولكننا نحس بصدق الشاعر، وهي تعذب القلب بالحنين وتكتمه ما تقصد، حنين إلى المجهول. ومن عجب أن تكتم النفس ما تجهل! ثم هل هي غير القلب؟ هل هي تعارضه؟ أسئلة لا محل لإلقائها، وما يجوز أن نبحث لها عن حلول توضحها، وإلا ضاع جمال الشعر، حالة نفسية غامضة لا نستطيع إداركها بعقولنا؛ لأنها أعمق من أن تجتلى وأغنى من أن تنثر، نفس تشع.