ابن إسحاق عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت لامرأة سلمة بن هشام بن المغيرة: ما لي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت:
ما يستطيع أن يخرج، كلما خرج صاح به الناس: يا فرّار، فررتم في سبيل الله، حتى قعد في بيته ما يخرج. وهذا يدل على مبلغ ما وصل إليه الخلق الإسلامي انئذ من حب البطولة وإيثار الشهادة في سبيل الله على الفرار، والاستحياء من المثالب والمساوىء، وتقدير للقيم الخلقية، والمعاني الأدبية.
[إكرام النبي لال جعفر]
لما أصيب جعفر دخل رسول الله على أسماء بنت عميس فقال:«ائتني ببني جعفر» ، فأتت بهم فشمّهم وقبلهم وذرفت عيناه، فقالت أسماء: أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال:«نعم، أصيبوا هذا اليوم» ، فجعلت تصيح وتولول فقال النبي:«لا تغافلوا عن ال جعفر أن تصنعوا لهم طعاما، فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم» ، وهذا هو الأصل في صنع الطعام لأهل الميت لا ما يصنعه بعض الناس اليوم بقصد التفاخر والمقابلة بالمثل، وقد لا يصيب أهل الميت منه شيء.
ولما قارب الجيش المدينة تلقّاهم الصبيان يشتدون ورسول الله مقبل مع الجيش على دابة له فقال:«خذوا الصبيان فاحملوهم، وأعطوني ابن جعفر» ، فأتي بعبد الله فحمله بين يديه، وبعد ثلاث دخل على أسماء وقال لها:«لا تبكوا على أخي بعد اليوم، ادعوا لي بني أخي» ، فجيء بهم كأنهم أفرخ، فدعا بالحلاق فحلق لهم رؤوسهم ثم قال:«أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب، وأما عبد الله فشبيه خلقي وخلقي» ، ثم أخذ بيمين عبد الله وقال:«اللهمّ اخلف جعفرا في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه» ، (ثلاثا) . ولما ذكرت له أمهم يتمهم وضعفهم قال لها:«العيلة تخافين عليهم، وأنا وليهم في الدنيا والاخرة» رواه الإمام أحمد.
وهذا غاية ما ينتظر من تكريم أبناء الشهداء، وبذلك وضع الرسول الكريم الأساس الصالح لهذا التقليد الشريف.