التكليم من وراء حجاب، أو بوساطة رسول وهو جبريل. وبالتأمل في الاية نرى أنها تدل على جميع الأنواع التي ذكرتها، والفرق بين إلهام الأنبياء وإلهام غيرهم، أن الأول يكون مصحوبا بالعلم أنه من عند الله، ولا كذلك غيرهم.
٥- الرؤيا في المنام:
ورؤيا الأنبياء وحي، وذلك مثل رؤيا الخليل إبراهيم- عليه السلام- أنه يذبح ولده إسماعيل، ورؤيا نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم أنهم سيدخلون المسجد الحرام امنين محلّقين رؤوسهم ومقصّرين «١» ، وفي حديث بدء الوحي السابق:«أول ما بدىء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم» .
والوحي بجميع أنواعه يصحبه علم يقيني ضروري من الموحى إليه بأن ما ألقي إليه حق من عند الله، ليس من خطرات النفس، ولا نزغات الشيطان، وهذا العلم اليقيني لا يحتاج إلى مقدمات، وإنما هو من قبيل إدراك الأمور الوجدانية كالجوع والعطش ونحوهما.
[بطلان فكرة الوحي النفسي]
لقد حاول الماديون الذين لا يؤمنون بوجود قوى روحية غيبية وراء المادة، ومن على شاكلتهم ممن يحملون الحقد والضغن للإسلام والنبي صلّى الله عليه وسلّم أن يشككوا في الوحي المحمدي، فنفوا أن يكون وحيا من خارج نفس النبي، وقالوا: إنه وحي من داخل نفسه، وليس هناك ملك ألقى شيئا من الله، فإن عالم الغيب الذي تقولون: إنه وراء عالم المادة والطبيعة لم يثبت عندنا وجوده، كما أنه لم يثبت عندنا ما ينفيه ويلحقه بالمحال، ونحن نفسر الظواهر غير المعتادة بما عرفنا وثبت عندنا دون ما لم يثبت، فهذا الوحي الذي أخبر به محمد إنما هو إلهام كان يفيض من نفس النبي الموحى إليه لا من الخارج.
ذلك أن منازع نفسه العالية، وسريرته الطاهرة، وقوة إيمانه بالله وبوجوب عبادته، وترك ما سواها من عبادة وثنية، وتقاليد وراثية رديئة يكون لها في جملتها