وذهب أبو الفرج ابن الجوزي وغيره من أصحابنا إلى أن ذات عرق إنما ثبتت بتوقيت عمر -رضي الله عنه-، اجتهادًا، ثم انعقد الإجماع على ذلك، لما روى ابن عمر قال:"لما فتج هذان المصران أتوا عمر بن الخطاب، فقالوا: يا أمير المؤمنين؛ إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حد لأهل نجد قرنًا، وإنه جور عن طريقنا، وإنا إن أردنا أن نأتي قرنًا شق علينا، قال: فانظروا حذوها من طريقكم، قال: فحد لهم ذات عرق"، رواه البخاري.
فهذا يدل على أنها حديث بالاجتهاد الصحيح، لأن من لم يكن على طريقه ميقات، فإنه يحرم إذا حاذى أقرب المواقيت إلى طريقه، وهم يحاذون قرنًا إذا صاروا بذات عرق، ولو كانت منصوصة لم يحتج إلى هذا، وأحاديث المواقيت لا تعارض هذا، فعلى هذا هل يستحب الإحرام من العقيق؟
والأول هو الصواب، لما ذكرناه من الأحاديث المرفوعة الجياد الحسان التي يجب العمل بمثلها مع تعددها، ومجيئها مسندة، ومرسلة من وجوه شتى.
وأما حديث عمر؛ فإن توقيت ذات عرق كان متأخرًا في حجة الوداع، كما ذكره الحارث بن عمرو، وقد كان قبل هذا سبق توقيت النبي - صلى الله عليه وسلم - لغيرها، فخفي هذا على عمر -رضي الله عنه -، كما خفي عليه كثير من السنن، وإن كان علمها عند عماله وسعاته، ومن هو أصغر منه مثل دية الأصابع، وتوريث المرأة من دية زوجها، فاجتهد وكان محدَّثًا موفَّقًا للصواب، فوافق رأيه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وليس ذلك ببدع منه -رضي الله عنه-، فقد وافق ربه في مواضع معروفة، مثل المقام، والحجاب، والأسرى، وأدب أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعلى هذا لا يستحب الإحرام قبلها، كما لا يستحب قبل غيرها من المواقيت المنصوصة، قال عبد الله: سمعت أبي يقول: أرى أن يحرم من ذات عرق.
فإن قيل: فقد روى يزيد بن أبي زياد عن محمد بن علي بن عبد الله بن