للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرَّبِّ تَعَالَى، فَالْعَرَبِيَّةُ طَبِيعَتُهُمْ، وَسَلِيقَتُهُمْ، وَالْمَعَانِي الصحِيحَةُ مَرْكُوزَةٌ في فِطَرِهِمْ وَعُقُولِهِمْ، وَلا حَاجَةَ بِهِمْ إلَى النَّظَرِ في الإِسْنَادِ وَأَحْوَالِ الرُّوَاةِ وَعِلَلِ الحديث والجرح وَالتَّعْدِيلِ، وَلا إلَى النَّظَرِ في قواعد الأُصُول، وَأَوْضَاعِ الأُصُوليِّينَ، بَلْ قد غُنُوا عن ذلك كُلِّهِ، فَلَيْسَ في حَقِّهِمْ إلاَّ أمران:

أَحَدُهُمَا: قال اللَّهُ تَعَالَى كَذَا، وقال رَسُولُهُ كَذَا.

وَالثَّانِي: مَعْنَاهُ كَذَا وَكَذَا.

وَهُمْ أَسْعَدُ الناس بِهَاتيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ، وَأَحْظَى الأُمَّةِ بِهمَا، فَقُوَاهُمْ مُتوفِّرةٌ مُجْتَمِعَةٌ عليهما، وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَقُوَاهُمْ مُتَفَرِّقَةٌ، وَهِمَمُهُمْ مُتَشَعِّبَةٌ، فَالْعَرَبِيَّةُ وَتَوَابِعُهَا قد أَخذَتْ من قُوَى أَذْهَانِهِمْ شعْبَةً، وَالأُصول وَقَوَاعِدُهَا قد أَخَذَتْ منها شُعْبَةً، وَعِلْمُ الإِسْنَادِ وَأَحْوَالِ الرُّوَاةِ قد أخذ منها شُعْبَةً، وفكرُهُم في كَلامِ مصنفيهم وشُيُوخِهِمْ على اخْتِلافِهمْ وما أَرَادُوا بِهِ قد أخذ منها شُعْبَةً، إلَى غَيْرِ ذلك من الأمور، فإذا وَصَلُوا إلَى النُّصُوصِ النَّبَوِيَّةِ -إنْ كان لهم هِمَمٌ تُسَافِرُ إليها- وَصَلُوا إليها بِقُلُوبِ وَأَذْهَانٍ قد كَلَّت من السَّيْرِ في غَيرِهَا، وَأَوْهَنَ قُوَاهُمْ مُوَاصَلَةُ السُّرَى في سِوَاهَا" (١)، والحمد من قبل ومن بعد.

* * *


(١) انظر: "إعلام الموقعين" (٤/ ١٤٨).

<<  <   >  >>