للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أنّ جواسيسك وعيونك ربّما صدقوك، وربّما غشّوك، وربّما كانوا لك وعليك فنصحوا لك وغشّوا عدوّك وغشّوك ونصحوا عدوّك، وكثيرا ما يصدقونك ويصدقونه، فلا تبدرنّ منك فرطة عقوبة إلى أحد منهم، ولا تعجل بسوء الظن إلى من اتّهمته على ذلك، واستنزل نصائحهم بالمياحة والمنالة، وابسط من آمالهم فيك من غير أن يرى أحد منهم أنك أخذت من قوله أخذ العامل به والمتّبع له، أو عملت على رأيه عمل الصادر عنه، أو رددته عليه ردّ المكذّب به، المتهم له، المستخفّ بما أتاك منه، فتفسد بذلك نصيحته، وتستدعي غشّه، وتحترّ عداوته. واحذر أن يعرفوا في عسكرك أو يشار إليهم بالأصابع، وليكن منزلهم على كاتب رسائلك وأمين سرّك، ويكون هو الموجّه لهم، والمدخل عليك من أردت مشافهته منهم.

واعلم أن لعدوّك في عسكرك عيونا راصدة، وجواسيس متجسّسة «١» ، وأنه لن يقع رأيه عن مكيدتك بمثل ما تكايده به «٢» ، وسيحتال لك كاحتيالك له، ويعدّ لك كإعدادك فيما تزاوله منه، ويحاولك كمحاولتك إيّاه فيما تقارعه عنه، فاحذر أن يشهر رجل من جواسيسك في عسكرك فيبلغ ذلك عدوّك ويعرف موضعه، فيعدّ له المراصد، ويحتال له بالمكايد. فإن ظفر به فأظهر عقوبته، كسر ذلك ثقات عيونك، وخذلهم عن تطلّب الأخبار من معادنها، واستقصائها من عيونها، واستعذاب اجتنائها من ينابيعها، حتّى يصيروا إلى أخذها مما عرض من غير الثّقة ولا المعاينة، لقطا لها بالأخبار الكاذبة، والأحاديث المرجفة. واحذر أن يعرف بعض عيونك بعضا: فإنّك لا تأمن تواطؤهم عليك، وممالأتهم عدوّك، واجتماعهم على غشّك، وتطابقهم على كذبك، وإصفاقهم «٣» على خيانتك، وأن

<<  <  ج: ص:  >  >>