أمة الإسلام! ويوم أن ضعف التدين في قلوب الكثيرين، وكثر الجهل بالشريعة، وطغت المادة؛ ضعفت أواصر التواصل، وتعددت مظاهر القطيعة، وإلا فلا تكاد فضائل الصلة وآثارها الخيرة تخفى على العاقل اللبيب، فهي صفة أهل الإيمان قال تعالى:{وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}[الرعد:٢١].
وهي ثمرة من ثمار الإيمان بالله واليوم الآخر.
أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه}.
وهي سببٌ للبركة في الرزق والعمر يقول صلى الله عليه وسلم:{من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له أجله فليصل رحمه} مخرجٌ في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم.
أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى.
قال: فذلك لك} وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {لا يدخل الجنة قاطع} قال سفيان: يعني قاطع رحم، رواه البخاري ومسلم.
إن حقاً على كل قاطع رحم أن يبادر بالصلة وهذا الوعيد يقرع سمعه قبل فوات الأوان، ولا أظن أن أحداً يعذر بعد خدمة الاتصالات الحديثة، فرحم الله عبداً يصل رحمه وإن قطعوه، يتعهدهم بالزيارة ويتخولهم بالهدية وإن جفوه، يقول صلى الله عليه وسلم:{ليس الواصل بالمكافئ، وإنما الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها} خرجه البخاري وعند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: {يا رسول الله! إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، قال صلى الله عليه وسلم: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهيرٌ عليهم ما دمت على ذلك} فهنيئاً لقريب أعان على صلته بقبول العذر والصفح والعفو والتغاضي عن الهفوات، والتغافل عن الزلات، إن أحسن فلا يمن، وإن أعطى فلا يظن، لا يعرف السباب، ولا يكثر العتاب، فليست تدوم مودة وعتابُ، يتجنب المراء والجدال، ويحسن الأقوال والفعال، يشارك أقاربه آلامهم وآمالهم ويشاطرهم أفراحهم وأتراحهم مفتاحٌ لكل خير، مغلاقٌ لكل شر، ينصح ولا يفضح، ويستر ولا يعير، وفي ذلك ذكرى للذاكرين وعبرة للمعتبرين، والله المسئول أن يصلح الحال، ويسعد المآل إنه جزيل العطاء والنوال.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه وتوبوا إليه فيا لفوز المستغفرين، ويا لبشرى التائبين، اللهم أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.