خالِقِهم ودعائه مخلصين له الدين في ذلك الله عنهم: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥)} [العنكبوت].
قال الطبري -رحمه الله-: «يقول تعالى ذكره: فإذا ركب هؤلاء المشركون السفينة في البحر، فخافوا الغرق والهلاك فيه {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[يونس: ٢٢]، يقول: أخلصوا لله عند الشدة التي نزلت بهم التوحيدَ، وأفردوا له الطاعة، وأذعنوا له بالعبودة، ولم يستغيثوا بآلهتهم وأندادهم ولكن بالله الذي خلقهم. {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ}[العنكبوت: ٦٥]، يقول: فلما خلّصهم مما كانوا فيه وسلّمهم فصاروا إلى البر إذا هم يجعلون مع الله شريكًا في عبادتهم، ويدعون الآلهة والأوثان معه أربابًا»(١).
القسم الثالث:
وخلق لهم عبودية ولكنهم نقص حظهم وقسطهم ونصيبهم من الاستعانة، وفات عليهم تحقيق كمال الإيمان بالقدر فضعف لديهم جانب الاستعانة والصبر على الأوامر والنواهي على الأقدار كونًا وشرعًا، فلم يسعفهم ضعفُ الاستعانةِ على كمال الاستجابة لله ولشرعه، وقد تكون لهم معافاة وقوة بقدر تحقيقهم الصبر على الطاعة وعلى لزوم السنة ومجانبة الهوى.
القسم الرابع:
وخلق لهم حظ من العبودية والاستعانة، ولكن منشأ ذلك حظوظ النفس ومشتهياتها، وهم كمن يعبد الله على حرف تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (١١)} [الحج].
قال ابن سعدي -رحمه الله-: «أي: ومن الناس من هو ضعيف الإيمان، لم يدخل الإيمان قلبه، ولم تخالطه بشاشته، بل دخل فيه، إما خوفًا، وإما عادة على وجه لا يثبت عند