للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحده فيه معنى الذل والخضوع والافتقار الكامل والتام لمالك يوم الدين، وقد علمنا أن تقديم المعمول يفيد الحصر والاختصاص، وقد أفاد هنا حصر واختصاص العبادة والاستعانة فيمن ينبغي ألا تصرف العبادة كلها: عبادة، ولا استعانة إلا له وحده لا شريك له، مع ما فيه من تعظيم الله بتقديم حقه في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، وتأخير حظ نفسه في: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)}، وهذا كله هو عين توحيد الألوهية.

سادسًا: قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)} متضمن لافتقار العبد لربه في جلب المنافع والتي من أعظمها معرفة الصراط المستقيم المتضمن لهداية الدلالة والإرشاد، وهذه الهداية لابد لها من دلالة وواسطة في البيان والبلاغ عن الله، فكانت نعمة إرسال الرسل، والرسل مبلغين عن الله وهم أمناء الله على وحيه، فلابد للرسل من رسالة، فكانت الرسالة متضمنة لنعمة إنزال الكتب، وطلب الهداية لهذا الصراط كما هو متضمن لهداية الدلالة والإرشاد، فهو كذلك متضمن لهداية التوفيق والإلهام والرشاد، وبذلك تتم نعمة الهدايتين جميعًا وهذا هو عين التوحيد الملازم لمحور السورة الكريمة.

سابعًا: قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، بعد أن علم الله العبد طلب الهداية إلى صراطه المستقيم وطريقه القويم، ناسب أن يدله على هذا الصراط ليسلكه، ثم ناسب أن يبين له عظم وقدر السالكين لهذا الصراط لينال شرف الصحبة وعلو القدر والمكانة، والمنعم عليهم هم الذين قال الله فيهم: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (٦٩)} [النساء]، وقوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ}، لمَّا أطاعوا الله والرسول -صلى الله عليه وسلم- كانوا من أهل الصراط، ولمَّا كانوا من أهل الصراط استحقوا نيل شرف الصحبة {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}.

ولذلك قال ابن عباس -رضي الله عنه-: «صراط الذين أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك، من ملائكتك، وأنبيائك، والصديقين، والشهداء، والصالحين؛ وذلك نظير ما قال ربنا

<<  <   >  >>