للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَجْلِهِ يُفَضَّلُ الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ. ثُمَّ هَبْ أَنَّ هَذَا فِي الدُّنْيَا فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ فِي الْآخِرَةِ؟ وَقَدْ جَاءَ فِي الْأَثَرِ: " {يَا عَبْدِي أَنَا أَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ أَطِعْنِي أَجْعَلْك تَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ يَا عَبْدِي أَنَا الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ أَطِعْنِي أَجْعَلْك حَيًّا لَا تَمُوتُ} " وَفِي أَثَرٍ: " {إنَّ الْمُؤْمِنَ تَأْتِيهِ التُّحَفُ مِنْ اللَّهِ: مَنْ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ إلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} " فَهَذِهِ غَايَةٌ لَيْسَ وَرَاءَهَا مَرْمَى كَيْفَ لَا وَهُوَ بِاَللَّهِ يَسْمَعُ وَبِهِ يُبْصِرُ وَبِهِ يَبْطِشُ وَبِهِ يَمْشِي؟ فَلَا يَقُومُ لِقُوَّتِهِ قُوَّةٌ. وَأَمَّا الطَّهَارَةُ وَالنَّزَاهَةُ وَالتَّقْدِيسُ وَالْبَرَاءَةُ عَنْ النَّقَائِصِ والمعائب وَالطَّاعَةُ التَّامَّةُ الْخَاصَّةُ لِلَّهِ الَّتِي لَيْسَ مَعَهَا مَعْصِيَةٌ وَلَا سَهْوٌ وَلَا غَفْلَةٌ وَإِنَّمَا أَفْعَالُهُمْ وَأَقْوَالُهُمْ عَلَى وَفْقِ الْأَمْرِ فَقَدْ قَالَ قَائِلٌ مِنْ أَيْنَ لِلْبَشَرِ هَذِهِ الصِّفَاتِ؟ وَهَذِهِ الصِّفَاتُ عَلَى الْحَقِيقَةِ هِيَ أَسْبَابُ الْفَضْلِ كَمَا قِيلَ: لَا أَعْدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا. فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: إنَّا إذَا نَظَرْنَا إلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ فِي الْآخِرَةِ كَانَتْ فِي الْآخِرَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَكْمَل حَالٍ وَأَتَمّ وَجْهٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِي تَفْضِيلِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ فَقَطْ بَلْ عِنْدَ الْكَمَالِ وَالتَّمَامِ وَالِاسْتِقْرَارِ فِي دَارِ الْحَيَوَانِ وَفِيهِ وَجْهٌ قَاطِعٌ لِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ هَذَا الْكَلَامِ فَأَيْنَ هُمْ مِنْ أَقْوَامٍ تَكُونُ وُجُوهُهُمْ مِثْلُ الْقَمَرِ وَمِثْلُ الشَّمْسِ لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَمَخَّطُونَ وَلَا يَبْصُقُونَ مَا فِيهِمْ ذَرَّةٌ مِنْ الْعَيْبِ وَلَا مِنْ النَّقْصِ

الْوَجْهُ الثَّانِي: إنَّ هَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى فَضْلِ الْآدَمِيِّ وَالْمَلَائِكَةُ