للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأَمْرِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ أَنَّهُ لَا يَأْمُرُ لِحِكْمَةِ وَعَلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ سَوَاءٌ لَيْسَ بَعْضُهَا حَسَنًا وَبَعْضُهَا قَبِيحًا وَكِلَا الْأَصْلَيْنِ قَدْ وَافَقَتْهُمْ عَلَيْهِ الْأَشْعَرِيَّةُ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ مِنْ الْفُقَهَاءِ كَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ وَهُمَا أَصْلَانِ مُبْتَدَعَانِ؛ فَإِنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ لِحِكْمَةِ وَيَأْمُرُ لِحِكْمَةِ وَمَذْهَبَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْإِيمَانَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ وَيَرْضَى ذَلِكَ وَلَا يُحِبُّ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ شَاءَ وُجُودَ ذَلِكَ وَقَدْ بُسِطَ هَذَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} فَإِنَّ نَفْسَ السُّجُودِ خُضُوعٌ لِلَّهِ وَلَوْ فَعَلَهُ الْإِنْسَانُ لِلَّهِ مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ انْتَفَعَ كَالسَّحَرَةِ الَّذِينَ سَجَدُوا قَبْلَ الْأَمْرِ بِالسُّجُودِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْعَبْدِ حُطَّ عَنَّا خَطَايَانَا دُعَاءٌ لِلَّهِ وَخُضُوعٌ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ} وَهَذِهِ الْأَفْعَالُ الْمَدْعُوُّ بِهَا فِي آخِرِ الْبَقَرَةِ أُمُورٌ مَطْلُوبَةٌ لِلْعِبَادِ. وَقَدْ أُجِيبَ بِجَوَابِ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا قَدَّرَ أَمْرًا فَإِنَّهُ يُقَدِّرُ أَسْبَابَهُ وَالدُّعَاءُ مِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِهِ كَمَا أَنَّهُ لَمَّا قَدَّرَ النَّصْرَ يَوْمَ بَدْرٍ وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وُقُوعِهِ أَصْحَابَهُ بِالنَّصْرِ وَبِمَصَارِعِ الْقَوْمِ كَانَ مِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ اسْتِغَاثَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدُعَاؤُهُ وَكَذَلِكَ