للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الوجه الرابع عشر: قوله: (فلما دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}) الصفا: جمع مفرده صفاة، وهي الصخرة الصلبة الملساء، والمراد هنا: أسفل الجبل المعروف في أول المسعى. والمروة: الحجر الأبيض البَرَّاق الذي تقدح منه النار، والمراد هنا: أسفل الجبل المعروف في نهاية المسعى، ومعنى {مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}: من أعلام دينه وأماكن عبادته، المأمور بها في الحج، كالوقوف والرمي والطواف، سميت شعائر لما تُشعر به من أعمال الحج، أو لما يُستشعر هناك من تعظيم الله تعالى والقيام بوظائفه.

وقد استحب بعض العلماء قراءة هذه الآية عند الدنو من الصفا، ويفهم من صنيع آخرين أنه لا يستحب قراءتها، ولذا لم يذكرها أكثر الفقهاء في هذا الموطن (١)، وهذا أقرب؛ لأن الظاهر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قرأها من أجل تعليم الناس، كما قرأ آية: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} عندما أراد صلاة ركعتي الطواف، فمن قال بقراءة الآية عند المسعى، لزمه أن يقول بقراءة الآية عند المقام، وظاهر رواية النسائي المتقدمة أن المقصود تعليم الناس.

الوجه الخامس عشر: قوله: (أبدأ بما بدأ الله به)، هذه رواية مسلم بلفظ الخبر (أبدأ)، وقد جاء عند النسائي بلفظ: (ابدؤوا بما بدأ الله به) بلفظ الأمر، ولكنها رواية شاذة (٢).

وقد استدل الفقهاء بهذا على أن الترتيب شرط في السعي، وهو أن يبدأ بالصفا، فإن بدأ بالمروة لم يعتدَّ بذلك الشوط، فإذا صار على الصفا اعتدَّ بما يأتي به بعد ذلك (٣).

الوجه السادس عشر: قوله: (فَرَقِيَ الصفا … ) رَقِيَ: من باب تَعِبَ؛ أي: صَعَدَ، يقال: رقي في السلّم: صعد فيه، ورقي الجبل ونحوه: علاه وصعده، وفي هذا دليل على مشروعية الصعود على الصفا واستقبال البيت، لقوله: (حتى رأى البيت فاستقبل القبلة)، وكانت رؤية البيت في الزمن القديم


(١) انظر: "المغني" (٥/ ٢٣٤).
(٢) تقدم ذلك في "باب الوضوء" حديث (٤٧).
(٣) "المغني" (٥/ ٢٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>